للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

كقوله (١) ونكرم جارنا مادام فينا، ونتبعه) من الأتباع أى نرسل (الكرامة) على أثره (حيث مالا) أى سار وهذا ممكن عقلا لا عادة بل فى زماننا يكاد يلحق بالممتنع عقلا إذ كل ممكن عادة ممكن عقلا (وهما) أى التبليغ والإغراق (مقبولان وإلا) ...

===

يستحيل بالعادة تسمى إغراقا؛ لأن الوصف بلغ إلى حد الاستغراق، حيث خرج عن المعتاد فناسب معناه اللغوى المتقدم

(قوله: كقوله) أى: الشاعر وهو عمرو بن الأيهم التغلبى

(قوله: مادام فينا) أى: مادام مقيما فينا أى معنا وفى مكاننا

(قوله: حيث مالا) أى: حيث رحل عنا وسكن مع غيرنا، واتباع الكرامة له إرسالها إليه وبعثها فى إثره، فقد ادعى الشاعر أنهم يكرمون الجار فى حالة كونه مقيما عندهم وفى حالة كونه مع غيرهم وارتحاله عنهم، فالوصف المبالغ فيه كرمهم ولا شك أن إكرام الجار فى حالة كونه مع الغير وارتحاله عنهم محال عادة، حتى إنه يكاد أن يلتحق بالمحال عقلا فى هذا الزمان، لانطباع النفوس على الشح وعدم مراعاة غير المكافأة.

واعلم أن هذا البيت إنما يصلح مثالا للإغراق إذا حمل قوله ونتبعه الكرامة، حيث مال على أن المراد إرسال الإحسان إليه الدافع لحاجته وحاجة عياله بعد ارتحاله عنهم وكونه مع الغير، وأما إن حمل على أن المراد إعطاء الجار الزاد عند ارتحاله وسفره إلى أى جهة فلا يصلح مثالا، لأن هذا لا يستحيل عادة إذ هذا شائع عند الأسخياء وأصحاب المروآت.

(قوله: وهما مقبولان) أى: لعدم ظهور الكذب فيهما الموجب للرد، واعلم أن ما ذكره من المقبول والمردود إنما هو بالنظر إلى البديع واعتبارات الشعر، وأما بالنظر للبيان فالكل مقبول، لأنها ليست جارية على معانيها الحقيقية بل كنايات أو مجازات بالنظر للمواد والأمثلة فقوله تعالى يَكادُ زَيْتُها يُضِيءُ (٢) مجاز مركب عن كثرة صفائه ونوره، وقوله: عقدت سنابكها البيت مجاز عن كثرة الغبار فوق رؤس الجياد،


(١) البيت لعمرو بن الأيهم التغلبي، فى الإشارات ص ٢٧٩، والمصباح ص ٢٢٤.
(٢) النور: ٣٥.

<<  <  ج: ص:  >  >>