للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أى يوقع فى خيالى أن الشهب محكمة بالمسامير لا تزول عن كأنها وأن أجفان عينى قد شدت بأهدابها إلى الشهب لطول ذلك الليل وغاية سهرى فيه وهذا تخييل حسن ولفظ يخيل يزيده حسنا (ومنها ما أخرج مخرج الهزل والخلاعة ...

===

قد تضمن ذلك الغلو تخييلا حسنا، إذ يسبق إلى الوهم صحته من جهة أن هذا المحسوس تقع المغالطة فيه، وذلك أن النجوم لما بدت من جانب الظلمة ولم يظهر غيرها صارت النجوم كالدر المرصع به بساط أسود، فيسبق إلى الوهم من تخييل المشابهة قبل الالتفات إلى دليل استحالة شد النجوم بالمسامع فى الظلمة صحة ذلك، ولما ادعى أنه ملازم للسهر وأنه لا يفتر عن رؤية النجوم فى الظلمة فصارت عينه كأنها لا تطرف، نزلت أهدابه مع الأجفان بمنزله حبل مع شىء شد به بجامع التعلق وعدم التزلزل، فيسبق إلى الوهم من تخييل المشابهة بما ذكر صحة ذلك أيضا، ولما تضمن الغلو الموجود فى البيت هذا التخييل الذى قرب المحال من الصحة، كان ذلك الغلو مقبولا وزاد ذلك قبولا تصريحه بأن ذلك على وجه التخييل لا على سبيل الحقيقة، وتخييل المحال واقعا بمنزلة قربه من الصحة، لكون ذلك فى الغالب ناشئا عن تخييل الأسباب والحاصل أن التخييل موجود فى نفسه ولفظ يخيل لى يقرب من الصحة، فقد اجتمع فى الغلو فى هذا البيت السببان الموجبان لقبوله

(قوله: محكمة بالمسامير) أى: فى ظلم الليل وهذا محال؛ لأن الظلمة عرض والنجوم أجرام، لكن المتكلم لما رأى: أجراما بيضا كالجواهر مسمرة فى جرم أسود كبساط تخيل الوهم أن النجوم فى الظلمة كذلك قبل الالتفات إلى استحالة ذلك

(قوله: قد شدت بأهدابها إلخ) أى: وشد الأجفان بأهدابها فى النجوم مستحيل، لكن لما رأى المتكلم أجراما معلقة بأحبال فى أجرام تخيل الوهم أن الأجفان مع الأهداب كذلك

(قوله: حسن) أى: يدرك حسنه الذوق.

(قوله: ومنها) أى: من أصناف الغلو المقبول

(قوله: ما أخرج مخرج الهزل) أى:

الصنف الذى أخرج على سبيل الهزل وهو الكلام الذى لا يراد به إلا المطايبة والضحك وليس فيه غرض صحيح، وأما الخلاعة فهى عدم المبالاة بما يقول القائل لعدم المانع الذى

<<  <  ج: ص:  >  >>