بالاعتبار المذكور لا يشمل ما أحد طرفيه حقيقة والآخر مجاز، بل ما طرفاه حقيقتان أو مجازان، وحينئذ فلا تكون الأقسام أربعة، أو يقال: المراد أنه يلاحظ فى التقسيم المذكور اعتبار حقيقة مجموع الطرفين واعتبار مجازية مجموعهما، سواء وجد تمام الجزأين من الاعتبار الأول بأن كان الطرفان حقيقتين وهو القسم الأول، أو كان تمام الجزأين من الاعتبار الثانى بأن كان الطرفان مجازين وهو القسم الثاني، أو كان بعض الجزأين من الاعتبار الأول وبعضهما من الاعتبار الثانى وهو القسم الثالث والرابع، وقصد الشارح بهذا أعنى قوله: باعتبار إلخ: دفع ما يرد على المصنف من أن الكناية عنده ليست حقيقة ولا مجازا، وإذا التفت إليها كانت الأقسام أكثر من ثمانية، وحينئذ فلا يصح حصره الأقسام فى أربعة، وحاصل ما أشار له الشارح من الجواب: أن حصره الأقسام فى الأربعة إنما هو بالنظر لهذا الاعتبار، فلا ينافى زيادة الأقسام بزيادة الاعتبار المذكور، وهذا الاعتراض لا يرد على السكاكى؛ لأن الكناية عنده من قبيل الحقيقة
(قوله: لغويتان) أى: كلمتان مستعملتان فيما وضعتا له لغة فى اصطلاح التخاطب، وقيد بقوله: لغويتان مع أن كلا من المسند والمسند إليه قد يكون حقيقة غير لغوية، بل شرعية أو أحدهما حقيقة لغوية والآخر شرعية نحو: صلى زيد الظهر، ونحو: أدخلته الصلاة الجنة؛ لأن الحقيقة الشرعية مجاز لغوى، فلو اعتبر مطلق الحقيقة لزم تداخل الأقسام، إذ يصدق على نحو: أدخلته الصلاة الجنة قسم كون الطرفين حقيقتين، إذ الصلاة بمعنى الأقوال والأفعال حقيقة شرعية، كما أن الإدخال حقيقة لغوية، ويصدق عليه أيضا قسم كونهما حقيقة ومجازا، فإن الصلاة بذلك المعنى مجاز لغوى.
بقى شىء آخر، وهو أنه يجوز أن يكون الطرفان حقيقتين عقليتين نحو: خلق الله فصل الربيع، ومجازين عقليين نحو: أجرى النهر إطاعة أمر فلان، ومختلفين نحو:
أجرى النهر إطاعة فلان، وأجرى الماء إطاعة أمره، ففى كل من الأمثلة الثلاثة الأخيرة مجاز فى النسبة الإيقاعية أو الإضافية أو فيهما، والتوجيه السابق للتقييد باللغويتين لا يتأتى هنا فتقييد الشارح باللغويتين لا يظهر بالنسبة لما ذكر، إلا أن يقال: إنما قيد بذلك