للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وكأن المعنى: خادعته عن نفسه ...

===

والمراد بها هنا المخادعة، وهو أن يحتال كل من شخصين على صاحبه فى أخذ ما بيده يريد أن يغلبه ويأخذه منه، وحينئذ فيكون التركيب من قبيل الاستعارة التمثيلية بأن شبه هيئة المخادع بهيئة الذى يجىء ويذهب، واستعيرت المراودة الموضوعة لحال الذى يجىء ويذهب لحال المخادع ووجه الشبه بين المراودة والمخادعة أن كلا منهما هيئة منتزعة من عدة أمور، أو من قبيل التبعية بأن شبهت المخادعة بالمجىء والذهاب بجامع التردد فى كل، واستعيرت المراودة الموضوعة للمجىء والذهاب للمخادعة، واشتق من المراودة راودت بمعنى خادعت، ثم بعد هذا كله فالمخادعة ليست باقية على عمومها، بل المراد المخادعة على خصوص الجماع، والحاصل أن المراودة فى الأصل بمعنى المجىء والذهاب، فأريد منها المخادعة وهى مطلقة، والمراد منها مخادعة خاصة، أو أن المراودة صارت حقيقة عرفية فى المخادعة وإلى هذا أشار الشارح بقوله، وكأن المعنى أى: المراد أو العرفى، وليس المراد وكأن المعنى الحقيقى، ثم إنه ورد سؤال حاصله أنه إذا كان المراد بالمراودة المخادعة فيقتضى وقوع الطلب من كل منهما؛ لأن المفاعلة تقتضى وقوع الطلب من كل منهما، ويوسف- عليه السّلام- معصوم لا يقع منه طلب ذلك الأمر وأجاب عنه الشارح بقوله: وفعلت فعل المخادع أى المحتال، وحاصله أن المفاعلة هنا ليست على بابها بل المراد بها أصل الفعل، وإنما عبر بالمفاعلة للدلالة على المبالغة فى طلبها منه واختلافهما، ويجوز أن تكون المفاعلة على بابها، وأن الطلب حصل من كل منهما، وإن اختلفت جهته فطلبها للوقاع وطلبه للمنع، كما فسر به قوله تعالى:

وَلَقَدْ هَمَّتْ بِهِ وَهَمَّ بِها (١) أى: همت به فعلا وهم بها تركا، ثم إنه ورد سؤال حاصله: حيث كان المراد بالمراودة المخادعة فما حقيقة المخادعة؟ فأجاب الشارح بأنها أن يحتال عليه، هذا حاصل تقرير كلام الشارح- كذا قرر شيخنا العدوى.

(قوله: وكأن المعنى إلخ) إنما لم يحزم بذلك؛ لأنه لا قدرة له على القطع بأن هذا مراد الله، فالأدب الإتيان بالعبارة المفيدة للظن، وقوله خادعته عن نفسه عن بمعنى: لام


(١) يوسف: ٢٤.

<<  <  ج: ص:  >  >>