أيضا لما بينهما من المشاركة والاصطحاب فيقال لكن عمرو، فهذا يدل على أن المتوهم الاشتراك فى النفى، والغرض من نقل كلام النحاة المعارضة بينه، وبين ما قرره قبله؛ لأن حاصل ما قرر أولا أن لكن لقصر القلب فقط، وحاصل ما نقله عن النحاة أن لكن لقصر الأفراد أى: نفى الشركة فى الانتفاء، والذى قرره أولا كلام المفتاح والإيضاح، وقد يقال فى الجواب إن الأول اصطلاح لأهل هذا الفن، وحينئذ فلا يعترض باصطلاح على غيره.
واعلم أنه حيثما جعلت، " لكن" عند أئمة هذا الفن لقصر القلب علم أنه لا استدراك فيها عندهم؛ لأن المخاطب فى قصر القلب يعتقد العكس أو يتردد فيه فليس بين المعطوف والمعطوف عليه اتصال فى اعتقاده وهو منشأ التوهم الذى يستدرك عليه بلكن ولا استدراك حيث انتفى منشأ التوهم، وبهذا يندفع الإشكال الوارد على قوله تعالى ما كانَ مُحَمَّدٌ أَبا أَحَدٍ مِنْ رِجالِكُمْ وَلكِنْ رَسُولَ اللَّهِ (١) وحاصل الإشكال أن لكن للاستدراك ونفى الأبوة ليس بموهم لنفى الرسالة لعدم الاتصال والعلاقة بينهما فى زعم المخاطب، فكيف يتحقق الاستدراك وحاصل الجواب أن لكن لمجرد قصر القلب من غير استدراك، فالمشركون- لعنة الله عليهم- كانوا يعتقدون فيه الأبوة لزيد ونفى الرسالة، فقلب المولى عليهم اعتقادهم
(قوله: إنما يقال لمن اعتقد انتفاء المجىء عنهما جميعا) أى: وحينئذ فهى عندهم لقصر الأفراد ليس إلا، ولا تستعمل لقصر القلب، ثم إن الخلاف بين النحويين والبيانيين فى كون (لكن) لقصر الأفراد أو القلب إنما هو فى النفى، وأما كونها لقصر الأفراد أو القلب فى الإثبات فلا قائل به كما قاله فى المطول؛ لأن المفهوم من كلام النحاة اختصاص، (لكن) العاطفة بالنفى كما أن (لا) مختصة بالإثبات قال فى الخلاصة:
وأول لكن نفيا او نهيا
والنهى فى معنى النفى فتحصل من كلام الشارح أن لا تستعمل للنفى بعد الإثبات لقصر الأفراد والقلب، وأما لكن: فتستعمل للإثبات بعد النفى لقصر القلب