كل ذلك لم يكن) (١) هذا قول النبى عليه الصلاة والسّلام؛ والمعنى: لم يقع واحد من القصر والنسيان على سبيل شمول النفى وعمومه لوجهين؛ أحدهما: أن جواب أم- إما بتعيين أحد الأمرين أو ...
===
(قوله: كل ذلك لم يكن) فيه دليل على أن من قال ناسيا لم أفعل وكان قد فعله أنه غير كاذب؛ لأن كلام الناس ليس بصدق ولا كذب- قاله الكرمانى، إن قيل لا جائز أن يكون المراد كل ذلك لم يكن فى نفس المراد؛ لأنه يلزم الكذب فى حقه- عليه الصلاة والسّلام-؛ لأن بعضه قد كان فى نفس الأمر، والكذب عليه لا يجوز، وإن أريد فى ظنى لم يصح رد ذى اليدين عليه بقوله، بل بعض ذلك قد كان؛ وذلك لأنه لا اطلاع له على ما فى ظن النبى حتى يقول له بعض ذلك قد كان فى ظنك، فتعين أن المراد بل بعض ذلك قد كان فى نفس الأمر، وإذا كان المراد ذلك فلا يحسن أن يكون كلام ذى اليدين ردا لقوله كل ذلك لم يكن فى ظنى لعدم اتحاد المحمول؛ لأن المحمول المنفى فى كلام النبى الكون فى ظنه والمحمول المثبت فى كلام ذى اليدين الكون فى نفس الأمر، وإذا لم يتحد المحمول فلا تناقض فلا يصح الرد، وأجيب بأن المراد كل ذلك لم يكن فى نفس الأمر بحسب ظنى، فبين ذو اليدين أن الظن لم يطابق نفس الأمر، واعترض بأن ظن الخطأ نقص ولا يجوز عليه- عليه الصلاة والسّلام- وأجيب بأن ظن الخطأ وكذلك النسيان إنما يكونان نقصا فى حقه إذا كان بسبب اشتغال القلب بأمور الدنيا، وأما إذا كانا من الله لأجل تبين الأحكام للأمة فلا يكونان نقصا وإلى هذا يشير قوله- عليه الصلاة والسّلام- فى الحديث: إنى لا أنسى، ولكن أنسى لأسن أى: ليس من طبعى النسيان كما هو طبع من لا يتحافظ بشغل الفكر بأمور الدنيا، ولكن أنسى بشغل الفكر بالله لأشرع. قرر ذلك شيخنا العلامة العدوى، عليه سحاب الرحمة والرضوان.
(قوله: هذا قول النبى إلخ) هذا إيضاح فإن كونه قوله- عليه الصلاة والسّلام- معلوم من قوله كقول النبى إلخ
(قوله: لوجهين) علة لكون المعنى لم يقع واحد من القصر
(١) رواه البخارى ومسلم من حديث أبى هريرة، وجاء فى" الإصابة" (٢/ ١٠٨): أن ذا اليدين هو الخرباق السلمى.