للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

ولربما لو لم يستخر، لكان هناك مشكلات أكثر، ومصائب أعظم، فصرف الله عنه تلك التي لم يعلمها، وقدر له ما ظهر له من الخسارة.

وقد يستخير العبد لزواج، ثم يظهر له أنه لم يوفق فيه، بل ربما يطلق، أو تُطلَّق، رغم الاستخارة.

ولربما لولم يستخر، أو تستخر، لكان هناك من البلايا والرزايا ما دفعها الله عز وجل بفضله ورحمته، أن استجاب دعاء الاستخارة.

قال ابن الجوزي ((فإياك أن تسأل شيئاً إلا وتقرنه بسؤال الخيرة، فرب مطلوب من الدنيا كان حصوله سبباً للهلاك، وإذا كنت قد أمرت بالمشاروة في أمور الدنيا لجليسك، ليبين لك في بعض الآراء ما يعجز رأيك وترى أن ما وقع لك لا يصلح، فكيف لا تسأل الخير ربك وهو أعلم بالمصالح، والاستخارة من حسن المشاورة.)) (١)

ويحكى أن رجلا استخار في تجارة، فخسر ماله، فاستغرب ذلك، فقيل له: إن في مالك حرامًا أذهبه الله عنك باستخارتك له، عوضًا عن محاسبتك به يوم القيامة.

ويحكى أن رجلاً طلب الجهاد، فلم يوفق له، فحزن حزنًا شديدًا فقيل له: لو أنك جاهدت لأسرت، ولو أسرت لكفرت.

ويحكى أن امرأة استخارت في زواج، وبعد الزواج طُلقت، فاستنكرت ذلك، فقيل لها: لو لم تستخيري لتزوجت رجلاً كان سببًا في وقوعك في الفواحش، أو قتل نفسك.

قال ابن القيم في الفوائد (١٧٢):

((وكذلك يكره المرأة لوصف من أوصافها، وله في إمساكها خير كثير لا يعرفه، ويحب المرأة لوصف من أوصافها، وله في إمساكها شرٌّ كثير لا يعرفه، فالإنسان كما وصفه خالقه ظَلومٌ جهولٌ، فلا ينبغي أن يجعل المعيار على ما يضرّه وينفعه ميله وحبَّه ونَفْرته وبُغضه، بل المعيار على ذلك ما اختاره الله له بأمره ونهيه. فأنفعُ الأشياء له على الإطلاق طاعة ربه بظاهره وباطنه، وأضرُّ الأشياء عليه على الإطلاق معصيته بظاهره وباطنه)).

واحذر يا عبد الله من القنوط من رحمة الله، واليأس من استجابة


(١) صيد الخاطر (٢٩٥).

<<  <   >  >>