"فإذا خرج عن هذا التقسيم ثلاثة أقسام: قسم الوجوب، وقسم الندب، وقسم الإباحة. انحصر النظر فيما بقى وهو الذي ثبت من التقسيم، غير أنَه ورد النهى عنها على وجه واحد، ونسبته إلى الضلالة واحدة. في قوله: "إياكم ومحدثات الأمور؛ فإن كل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النَّار" وهذا عام في كل بدعة، فيقع السؤال: هل لها حكم واحد أم لا؟
فنقول: ثبت في الأصول أن الأحكام الشرعية خمسة، نخرج عنها الثلاثة، فيبقى حكم الكراهية وحكم التحريم، فاقتضى النظر انقسام البدع إلى القسمين، فمنها بدعة محرمة، ومنها بدعة مكروهة، وذلك أنها داخلة تحت جنس المنهيات لا تعدو الكراهة والتحريم، فالبدع كذلك هذا وجه.
ووجه ثان: أن البدع إذا تُؤُمِّلَ معقولها وجدت رتبها متفاوتة؛ فمنها ما هو كفر صراح، كبدعة الجاهلية التي نبه عليها القرآن، كقوله {وَجَعَلُوا لِلَّهِ مِمَّا ذَرَأَ مِنَ الْحَرْثِ وَالْأَنْعَامِ نَصِيبًا فَقَالُوا هَذَا لِلَّهِ بِزَعْمِهِمْ وَهَذَا لِشُرَكَائِنَا} الآية، وقوله تعالى:{وَقَالُوا مَا فِي بُطُونِ هَذِهِ الْأَنْعَامِ خَالِصَةٌ لِذُكُورِنَا وَمُحَرَّمٌ عَلَى أَزْوَاجِنَا وَإِنْ يَكُنْ مَيْتَةً فَهُمْ فِيهِ شُرَكَاءُ} وقوله تعالى: {مَا جَعَلَ اللهُ مِنْ بَحِيرَةٍ وَلَا سَائِبَةٍ وَلَا وَصِيلَةٍ وَلَا حَامٍ}، وكذلك بدعة المنافقين حيث اتخذوا الدين ذريعة لحفظ النفس والمال، وما أشبه ذلك مما لا يشك أنه كفر صراح.
ومنها ما هو من المعاصي التي ليست بكفر، أو يختلف: هل هي كفر أم لا؟ كبدعة الخوارج والقدرية والمرجئة ومن أشبههم من الطرق الضالة.