ومنها ما هو معصية ويتفق على أنها ليست بكفر: كبدعة التبتل والصيام قائمًا في الشمس، والخصاء بقصد قطع شهوة الجماع.
ومنها ما هو مكروه ... كالاجتماع للدعاءِ عشية عرفة، وذكر السلاطين في خطبة الجمعة -على ما قاله ابن عبد السلام الشافعي- وما أشبه ذلك.
فمعلوم أن هذه البدع ليست في رتبة واحدة؛ فلا يصح مع هذا أن يقال: إنها على حكم واحد، هو الكراهة فقط، أو التحريم فقط.
وجه ثالث: أن المعاصي منها صغائر ومنها كبائر، ويعرف ذلك بكونها واقعة في الضروريات أو الحاجيات أو التكميليات، فإن كانت في الضروريات فهي أعظم الكبائر، وإن وقعت في التحسينات فهي أدنى رتبة بلا إشكال، وإن وقعت في الحاجيات فمتوسطة بين الرتبتين.
إذا كان كذلك: فالبدع من جملة المعاصي، وقد ثبت التفاوت في المعاصي، فكذلك يتصور مثله في البدع. فمنها ما يقع في الضروريات (أي أنه إخلال بها) ومنها ما يقع في رتبة الحاجيات، ومنها ما يقع في رتبة التحسينيات، وما يقع في رتبة الضروريات، منه ما يقع في الدين أو النفس أو النسل أو العقل أو المال.
فمثال وقوعه في الدين: ما تقدم من اختراع الكفار وتغييرهم ملة إبراهيم عليه السلام، من نحو قوله تعالى:{مَا جَعَلَ الله مِنْ بَحِيْرَةٍ وَلَا سَائِبَةٍ وَلَا وَصِيلَةٍ وَلَا حَامٍ} فروي عن المفسرين فيها أقوال كثيرة، وفيها عن ابن المسيب أن البحيرة من الإبل هي التي يمنح درها للطواغيت، والسائبة هي التي يسيبونها لطواغيتهم، والوصيلة هي الناقة تبكر بالأنثى ثم تثنى