للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مثاله - ما قال أصحابنا رحمهم الله: إن القطع لا يجب بسرقة ما يتسارع إليه الفساد، لأن الشرع نفى وجوب القطع، في سرقة ما دون النصاب، لمعنى: ذلك المعنى موجود في سرقة ما يتسارع إليه الفساد، وهو أن القطع عقوبة عظيمة شرعت (١) للزجر صيانة للأموال، وإنما يقع الحاجة إليها فيما يكثر رغبة السراق فيه، ولا رغبة في القليل - هذا المعنى موجود في سرقة ما يتسارع إليه الفساد، لأن السراق قلما يرغبون في سرقته، فورود الشرع بانتفاء القطع. ثم، نصًا (٢)، ورودًا ههنا دلالة. ومن غفل عن هذه الطريقة، ولم يتأمل هذه الدقيقة، يقع في التعليل بعلة قاصرة، فيقول: إن القطع في السرقة شرع بطريق الزجر (٣) صيانة لأموال الناس، ولهذا شرط (٤) فيه النصاب، ولا حاجة في هذه الأموال إلى شرع القطع لقلة رغبة السراق فيها. فلا يشرع فيها القطع. وهذا تعليل بعلة قاصرة (٥)، لأنه تبين (٦) العلة لوجوب القطع في سائر الأموال. ونقول: تلك العلة معدومة في الفرع. وللخصم أن يقول: إن لم يوجد هذه العلة في الفرع، فلا ينفي وجود علة أخرى في الأصل يثبت بها (٧) الحكم فيه، ويوجد مثل تلك العلة في الفرع، لأن الحكم في الأصل يجوز أن يثبت بعلل - على ما ذكرنا. والله تعالى أعلم.


(١) كذا في ب. وفي الأصل: "شرع".
(٢) في ب: "فورود الشرع ثمة بانتفاء القطع نصًا".
(٣) في ب: "شرع للزجر".
(٤) كذا في ب وفي هامش الأصل. وفي متن الأصل: "شرع".
(٥) لعل العلة القاصرة هنا هي رغبة السراق. ولعل العلة المتعدية هي صيانة الأموال. والعلة القاصرة هي المختصة بالأصل ولا يصح التعليل بها عند الحنفية ويجوز عند الشافعي. ومثال القاصرة جعل الشافعي علة الربا في الذهب والفضة الثمنية، فإنها قاصرة على الذهب والفضة ولا توجد في غيرهما لأنه لم يخلق ثمنًا - والخلاف في العلة المستنبطة. أما العلة الثابتة بالنص، فيجوز أن تكون قاصرة بالاتفاق، من حيث كونها حكمة لا علة عند الحنفية. (انظر السرخسي، الأصول، ٢: ١٥٨ - ١٥٩. والغزالي، المستصفي، ٢: ٣٤٥. والتلويح علي التوضيح، ٢: ١٣٣ - ١٣٤).
(٦) لعل الصحيح أو الأوضح: "لم يتبين" أو "جهل".
(٧) كذا في ب. وفي الأصل: "به".