[والثاني]- ثم إذا اجتهد المجتهد وبالغ في ذلك: هل يكون مصيبًا على كل حال، أو يجوز الخطأ عليه وإن كان مصيباً، من حيث الظاهر، في حق نفسه؟
اختلف أهل الأصول فيه:
قال أهل الحق بأن المجتهد قد يخطئ وقد يصيب في الشرعيات. وهو بناء على أن الواجب عليه إصابة الحق في المجتهدات الشرعية، أو يجب عليه نفس الاجتهاد. وأن الحق واحد فيه أم متعدد؟
فعندنا - الحق عند الله تعالى واحد فيه، وكلفهم إصابة الحق. [فـ] إن أصابوا فبها ونعمت. وإن لم يصيبوا أخطأوا في الاجتهاد وفيما أدى إليه، فيكون المجتهد مخطئاً فيه ابتداء وانتهاء - وهو اختيار الشيخ أبي منصور الماتريدي رحمه الله.
وقال بعض مشايخ سمرقند، كأبي الحسن الرستغفني (١) ومن تابعه: إنه مصيب في اجتهاده، ولكنه قد يخطئ فيما يؤدي إليه اجتهاده، بأن كان عند الله تعالى بخلافه، وهو مروي عن أبي حنيفة رحمة الله عليه، فإنه روي أنه قال: كل مجتهد مصيب، والحق عند الله تعالى واحد. وتفسيره ما ذكرنا.
(١) قال صاحب الجواهر المضيئة (٢: ٢١٠): "الرستغفني بضم الراء وسكون السين المهملة وضم التاء ثالث الحروف وسكون الغين المعجمة وفي آخرها النون بعدها (لعل الصحيح: بعد) الفاء. نسبة إلى رستغفن: قرية من قرى سمرقند. اسمه علي بن سعيد أبو الحسن. ذكره بنسبته الخاصي وغيره من الأصحاب في مسألة حوض صغير يدخل الماء من جانب ويخرج من جانب: إذا توضأ فيه إنسان. وذكره الأصحاب أيضًا في كتب الأصول والخلاف بينه وبين أبي منصور الماتريدي معروف في مسألة المجتهد إذا أخطأ في إصابة الحق يكون مخطئاً في الاجتهاد على كل حال أصاب الحق أو لم يصب. وقد روي عن أبي حنيفة رضي الله عنه أنه قال: كل مجتهد مصيب والحق عند الله واحد، معناه: أنه مصيب في الطلب وإن أخطأ المطلوب. وله الفوائد أيضًا. قال أبو الحسن: رأيت الإمام المهدي أبا منصور الماتريدي في المنام فقال يا أبا الحسن: ألم تر أن الله غفر لامرأة لم تصل قط؟ فقلت بماذا؟ قال: باستماع الأذان وإجابة المؤذن". وقال صاحب تاج التراجم (ص ٤١) إنه أحد أصحاب أبي منصور الماتريدي.