للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وجه قول العامة: إن المعني بقولنا "أسباب الأحكام وعللها" أنهما أعلام وأمارات على أحكام الله تعالى؛ لا أنها موجبات، وهذا لأن الموجب للأحكام هو الله تعالى، والشارع لها، كما أن الموجد للأفعال والأعيان هو الله تعالى وخالقها, ولا تعلق للوجوب والوجوب بالأسباب في حق الله تعالى، ليظن أنها تصير تتمة للقدرة، وإنما الأسباب لمعرفة العباد لوجوب الأحكام بإيجاب الله تعالى، إلا أن إيجابه غيب عنا: فتارة يعرف، بالاستدلال العقلي بالنظر في الآيات والأسباب، إيجابه الأحكام العقلية، ويكون العقل آلة المعرفة، فيعرف وجوب الإيمان وحرمة الكفر بإيجاب الله تعالى وتحريمه بالاستدلال العقلي، [لا] (١) أن الأسباب أو العقل موجب علينا معرفة الله تعالى، محرم علينا الجهل به، وهو الكفر، بل الموجب للإيمان والمحرم للكفر هو الله تعالى. وأما في الأحكام الشرعية، [فـ] يعرف إيجاب الله تعالى، بالأوامر والنواهي وإخباره عن الحل والحرمة والجواز والفساد ونحو ذلك، ويكون صيغ الأمر والنهي والخبر دلالات على إيجاب الله تعالى، وفيما لا نص من الله تعالى من الأحكام يعرف أحكامه بالنظر في النصوص بالأسباب الدالة على الوجوب والحرمة والجواز والندب، وهي ما جعلها الله تعالى علامات وأمارات، لمعرفة الأحكام في الفروع، على ما ذكرنا في تفسير العلة والسبب (٢).

وإذا كان تفسير الأسباب والعلل ما ذكرنا, وأثرها وعملها هذا القدر الذي ذكرنا، بطل وهم القوم كله، فتبين أنهم بنوا هذا الكلام على خيال باطل وظن فاسد، وبعض الظن إثم.

وخرج الجواب عن قوله: إن هذه العلل موجودة قبل الشرع ولا حكم


(١) في الأصل قد تكون كذا: "بالآ". ولعل الصحيح: "لا"، وهو ما جعلناه في المتن.
(٢) راجع فيما تقدم ص ٥٧٩ وما بعدها.