للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وأما دعوته لمن كان من أهل الاجتهاد، فبالمناظرة - قال الله تعالى: "وجادلهم بالتي هي أحسن" (١). ثم لا يخلو: إما إن كان مجيبًا أو سائلا:

- فإن كان مجيبًا: ينبغي أن يختار ما هو أقوى الدلائل عنده. فإن كان عن النصوص يظهر وجه التعلق به بأوضح الوجوه. وإن كان من العلل فيأتي بالعلة الصالحة المؤثرة، ويبين وجه تأثيىر العلة في الأصل، ويبين أنها موجودة في الفرع، ثم يشتغل السائل بالاعتراض. ويجب على المجيب أن يحترز عما يعد انتقال، فإن الانتقال من باب الانقطاع: في حقه. فأما في حق السائل: [فـ] لا بأس بأن ينتقل من دليل إلى دليل, لأنه معارض لكلام المجيب، وما دام في المعارضة، بدليل يصلح معارضاً، لا يكون منقطعاً، فأما المجيب [فـ] بخلافه.

ثم ما يكون انتقالا من حيث الظاهر، فهو أربعة أنواع: فنوع منها مذموم، والباقي غير مذموم.

أما الذي هو غير مذموم:

أحدها - أن يحتج بعلة لما يدعيه من الحكم، فمنع السائل الوصف الذي ذكره بأنه علة، فاشتغل بكلام آخر، لإثبات ذلك الوصف علة, لأن غرضه إثبات الحكم وتلك العلة، فمادام يسعى في إثبات العلة بدليل، يكون مقرراً لتلث العلة لا تاركاً، بل يكون من ضرورات الأول، فيضاف إليه، وأكثر العلل ممنوعة.

والثاني - الانتقال من حكم إلى حكم آخر. بيانه أن المجيب إذا علل لإثبات حكم يدعيه، فالسائل يقول له: لا خلاف في هذا الحكم، إنما الخلاف في حكم آخر، فيكون هذا تعليلا في غير موضعه، وهو نوعان:


(١) سورة النحل: ١٢٥.