ظواهر الاندماج والانصهار والانعزال بين اليهود قديمة قدم ظهور العبرانيين في التاريخ. فمن الواضح أن العبرانيين، أثناء وجودهم في مصر، تبنَّوا معظم مكونات الثقافة المصرية إن لم يكن كلها، وربما كانوا يتحدثون لغة المصريين القدماء، وفي فلسطين تبنوا لسان كنعان. أما العبادة اليسرائيلية، وهي عقيدة العبرانيين قبل تبلور اليهودية (كنسق ديني) ، فقد تأثرت بالتراث الديني الكنعاني تأثراً عميقاً، واندمج العبرانيون في المحيط الكنعاني وفي عبادة بعل، ومن هنا سخط الأنبياء عليهم. وقد انصهر العبرانيون، الذين هجَّرهم الآشوريون من فلسطين، في محيطهم الثقافي إلى أن اختفوا تماماً، في حين اندمج هؤلاء الذين هجَّرهم البابليون. ولذا، حينما أصدر قورش الأخميني مرسومه الخاص بعودة اليهود، رفضت أغلبيتهم التمتع بهذا الامتياز. ويُعَدُّ انتشار النزعة الهيلينية بين اليهود، سواء في فلسطين أو في مصر، تعبيراً آخر عن ظاهرة الاندماج. وبعد انحلال الدولة الرومانية، اندمج أعضاء الجماعات اليهودية في التشكيلين الحضاريين الإسلامي والمسيحي. وقد تَحدَّث يهود العالم العربي الإسلامي اللغة العربية، واشتغلوا بمعظم المهن والحرف، وتأثر تراثهم الديني بالفكر الديني الإسلامي. أما في العالم الغربي، فقد كان وضع اليهود متميِّزاً، إذ شكَّل اليهود فيه جماعة وظيفية وسيطة تضطلع بوظائف لا يقوم بها أعضاء الأغلبية وتحتفظ بعزلتها لضمان قيامها بهذه المهن. وانعكس هذا الوضع على التنظيمات الاجتماعية والاقتصادية للجماعات اليهودية، مثل القهال والجيتو (في شرق أوربا أساساً) ، وهي تنظيمات كانت تهدف إلى الحفاظ على عزلة اليهود. وقد ازدادت عزلة اليهود في بولندا التي احتفظوا فيها برطانتهم الألمانية اليديشية التي هاجرت معهم.