للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

لكل هذا، أصبح الصابرا، من منظور القائمين على المجتمع الصهيوني، مرادفاً للتَحلُّل العقائدي ولازدياد الشك والنزعة العلمية على حساب الالتزام العقيدي. ومن هنا، بدأت عملية إعادة تثقيف، أخذت شكل التأكيد على الإبادة النازية لليهود، وبالذات عناصر المقاومة اليهودية، والتأكيد على ما يُسمَّى «المصير اليهودي المُشترَك» الذي يربط اليهود بعضهم ببعض أينما كانوا. كما تم تقرير مادة تُسمَّى «الوعي اليهودي» في المدارس حتى لا يبتعد جيل الصابرا تماماً عن الجذور اليهودية التي رفضتها الصهيونية. ولكن هذه المحاولة التخليقية، التي ترمي إلى الحفاظ على صهيونية العبراني الجديد، قابلت هي الأخرى عدة صعوبات من أهمها أن تطبيع المجتمع الإسرائيلي أدَّى إلى تَبنِّي جيل الصابرا قيماً علمانية أمريكية برجماتية ترفض الماضي وأية عقيدة أو نظرية، الأمر الذي عمَّق رفضهم الفكر النظري أو العقائدي، وإلى انتشار ما يُسمَّى بعقلية «روش قطان» وهي عبارة عبرية تعني «الرأس الصغير» وتشير إلى الإنسان العلماني الاستهلاكي الذي يهتم بمصالحه الخاصة ولا يهتم بالأهداف القومية (ولذا، فإن معدته كبيرة ورأسه صغير) . كما أن أزمة الصهيونية، داخل وخارج المستوطَن الصهيوني، تجعل بعث هذه العقيدة، التي لم تَعُد تَصلُح دليلاً للعمل، مهمة صعبة. ولكل هذا، يزداد الانصراف عن الصهيونية كعقيدة. وقد انعكس هذا الاتجاه البرجماتي الاستهلاكي العملي في تزايد معدلات العلمنة الشاملة وتَقبُّل قيم المنفعة واللذة بين الإسرائيليين، وزيادة أمركة المجتمع الإسرائيلي، فأصبحت الدولة الاستهلاكية العظمى في الغرب (الولايات المتحدة) هي المثل الأعلى لا الدولة الصهيونية الصُغرَى في فلسطين المحتلة. ومن هنا، تَزايُد نزوح الأفراد من جيل الصابرا عن إسرائيل، بل تم تَقبُّل قرار النزوح اجتماعياً بعد أن كانت تلك مسألة مرفوضة تماماً تشبه الخيانة القومية. وقد أدَّى هذا إلى ظهور ما

<<  <  ج: ص:  >  >>