ومن ثم، فلابد من نموذج تفسيري أقل عمومية، يمكنه أن يصف المتغيرات التاريخية والثقافية والدينية التي دخلت على هذه الهوية وحولتها إلى هويات مختلفة. ولذلك، فإننا سوف نتحدث بصيغة الجمع فنشير إلى «الهويات اليهودية»(كما نتحدث عن «أعضاء الجماعات اليهودية» ) فهو مصطلح يعبر عن نموذج أكثر تركيبية ومن ثم أكثر تفسيرية لواقع أعضاء الجماعات اليهودية، يؤكد استقلالهم النسبي عن محيطهم دون أن ينسبهم إلى تاريخ يهودي عالمي أو جوهر ثابت، بل ينسبهم إلى مجتمعاتهم وحسب. ومن هنا محاولتنا فَهْم هذه الهويات لا من خلال العودة إلى ما يُسمَّى «التاريخ اليهودي» ، أو العودة إلى كُتب اليهود المقدَّسة أو شبه المقدَّسة، أو إلى بروتوكولات حكماء صهيون، وإنما بالعودة إلى التشكيلات الحضارية والتاريخية المختلفة التي ينتمي إليها أعضاء الجماعات اليهودية والتي تفاعلوا معها وأثروا فيها وتأثروا بها، وإن كانت درجة تأثرهم تفوق كثيراً درجة تأثيرهم كما هو الحال عادةً مع أعضاء الأقليات. فهناك هوية بابلية يهودية، وأخرى فارسية يهودية، وثالثة أمريكية يهودية، ورابعة عربية يهودية.
ولكن نموذجنا التفسيري لا يُهمل البُعد اليهودي في بناء هذه الهويات، فالدين اليهودي (بخاصيته الجيولوجية التراكمية) عنصر أساسي فيها، كما أن الرؤية الدينية بُعد حيوي ومهم. وكل ما نفعله أننا لا نجرده وإنما نراه في تفاعله مع الأبعاد الحضارية الأخرى. كما أننا لا نرى أن له مركزية تفسيرية. ولذا، فنحن لا نتحدث عن «هوية يهودية» عامة مُطلَقة، ولا نتحدث عن غياب أية هوية يهودية، وإنما نتحدث عن هويات يهودية مُتعيِّنة متنوعة.