للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

٦ ـ وفي هذه المرحلة، ازداد انتشار الجماعات اليهودية في العالم نتيجة الهجرة من فلسطين والتهوّد، بحيث أصبح عدد اليهود المقيمين خارج فلسطين يفوق عدد المقيمين فيها. وكما بيَّنا، كانت أعداد متزايدة من يهود فلسطين تفقد صبغتها العبرانية لتكتسب صبغة هيلينية. أما خارجها، فقد نسي يهود حوض البحر الأبيض المتوسط، ولا سيما في مصر، العبرية تماماً، وتمت ترجمة العهد القديم إلى اليونانية (الترجمة السبعينية) بتشجيع من البطالمة حتى يفهم يهود مصر معانيه. وبتشجيع منهم أيضاً، تم تشييد هيكل في مصر (في ليونتوبوليس) وهو هيكل أونياس، وذلك حتى يستقلوا عن هيكل القدس، ويبتعدوا عن نفوذ السلوقيين، وحتى يمكن الاستفادة منهم كجماعة وظيفية، مقاتلة وسيطة، وهو ما كان يعني ظهور هوية يهودية في مصر الهيلينية مستقلةً عن الهوية اليهودية في فلسطين.

وهكذا كانت الهوية اليهودية، داخل فلسطين وخارجها، تخوض عملية تَفتُّت على المستويين الديني والقومي. ولذلك، يمكن القول بأن تحطيم الهيكل على يد تيتوس لم يكن سبباً مباشراً في القضاء على الهوية العبرانية اليهودية، وإنما كان تجسيداً لعملية تاريخية مركبة أدَّت إلى القضاء على هذه الهوية وإلى تفتيتها، ولم يكن تحطيم الهيكل سوى تعبير نهائي عن هذه العملية. فأثناء الحرب الرومانية، استسلم قائد قوات الجليل يوسيفوس فلافيوس للرومان ثم انضم إليهم، كما فرَّ يوحنان بن زكاي من القدس أثناء حصارها، وكلاهما كان من الفريسيين الذين انضموا إلى صفوف المتمردين على مضض. وقد سمح الرومان ليوحنان بن زكاي بتأسيس مدرسة يفنه الدينية التي تمت فيها صياغة اليهودية المعيارية أو اليهودية الحاخامية المنفصلة تماماً عن العبادة القربانية، وهو النسق الديني الذي نعرفه، بينما اختفت القوى الأخرى مثل الأسينيين (الذين استُوعبوا في المسيحية) والصدوقيين وغيرهم.

<<  <  ج: ص:  >  >>