٤ ـ وفي هذا الإطار، طرح الفريسيون رؤية جديدة للهوية تُحرِّرها من المفهوم القديم المرتبط بالمجتمع القَبَلي العبراني أو المجتمع الزراعي الملكي، أو المجتمع الكهنوتي المرتبط بالهيكل والعبادة القربانية. فأعيد تعريف الهوية بحيث أصبحت أساساً هوية دينية روحية ذات بُعد إثني مُتقلِّص، ليس بالضرورة قومياً متضخماً، وهي علاوة على هذا غير مرتبطة بالهيكل. وواكب هذا التعريف الجديد استعداد للتصالح مع الدولة الحاكمة أو القوة العظمى في المنطقة، وعدم الاكتراث بنوعيتها مادامت لا تتدخل في حياة اليهود الدينية. وقام الفريسيون بنشاط تبشيري خارج فلسطين، الأمر الذي يفسر زيادة عدد اليهود في الإمبراطورية الرومانية في تلك المرحلة.
٥ ـ كما شهدت تلك المرحلة الصدام بين الإمبراطورية الرومانية والقيادات الشعبية العبرانية اليهودية في فلسطين، التي أجهدها دفع الضرائب للإمبراطورية، فاندلعت الثورة في صفوفها. وعارض الصدوقيون والفريسيون التمرد ضد الرومان، ولم يكترث أعضاء الجماعة اليهودية في بابل به. ووقفت بعض المدن ذات الأغلبية اليهودية الواضحة، مثل صفد وطبرية، موقف التأييد من الرومان. وانضم اليهود المتأغرقون إلى الرومان وحاربوا في صفوفهم، فكان هناك جيش يهودي تحت قيادة أجريبا الثاني أثناء حصار القدس وكانت أخته بيرنيكي هي عشيقة القائد الروماني تيتوس. وكانت جهود الرومان موجهة لإخماد التمرد وحسب، وليس للقضاء على اليهودية كدين أو على اليهود كإثنوس أو قوم (كما تَزعُم التواريخ الصهيونية أو المتأثرة بها) .