ومما زاد من عدم تجانس الجماعات والهويات اليهودية، انتشار اليهود في كل أنحاء العالم دون وجود سلطة مركزية دينية أو قضائية في فلسطين أو في غيرها من الأماكن. كما لم تكن تُوجَد في العالم القديم وسائل مواصلات أو إعلام تقرب بين أطراف العالم كما يحدث الآن. لكل هذا، تطوَّرت كل جماعة يهودية على حدة، بمعزل عن الأخرى، على المستويين الديني والقومي. وقد ظلت هذه الفسيفساء قائمة إلى أن انحلت الإمبراطورية الرومانية وانتشرت المسيحية في الغرب وانتشر الإسلام في الشرق، فظهرت فسيسفاء أخرى احتفظت بعناصر من الفسيفساء القديمة، كما دخلت عليها عناصر جديدة. وقد انقسمت اليهودية ودخلت مدارين أساسيين: المدار الإسلامي والمدار المسيحي. وازدادت اليهودية توحيدية داخل المدار الإسلامي. ومن ثم، ظهر ما يمكن تسميته «هوية يهودية عربية إسلامية» ، وهي التي أنتجت موسى بن ميمون. وقد حَدَث، داخل هذا الإطار، الانقسام الخطير الثاني، وهو الانقسام القرّائي. أما في الغرب، فقد ازدادت اليهودية غيبية، ودخلت عليها عناصر صوفية متطرفة. وازدادت الهوة اتساعاً بين الهويات اليهودية في الشرق والغرب. فيهود الأندلس والعالم العربي كانوا يتحدثون العربية ويكتبون بها، بينما كان يهود فرنسا يتحدثون برطانة فرنسية ويكتبون بالعبرية. ثم ظهرت اليديشية (لغة الإشكناز في شرق أوربا) ، واللادينو (لغة يهود السفارد في حوض البحر الأبيض المتوسط) . وكانت هناك بقايا يهود الرومانيوت الذين يتحدثون اليونانية ويهود إيطاليا الذين يتحدثون الإيطالية. كما ظهرت هويات يهودية مختلفة في أماكن متفرقة، مثل: الخَزَر في منطقة القوقاز، والفلاشاه في إثيوبيا، وبني إسرائيل في الهند، ويهود الصين في كايفنج، ويهود مانيبور، والتشويتاس، واليهود السود. ولم يكن انتماء هؤلاء الديني إلى اليهودية الحاخامية، وإنما كان انتماؤهم إلى تقاليد دينية مختلفة دخلت عليها عناصر دينية وإثنية محلية. وكان