ولكن رغم كل المشاكل والتوترات الداخلية والخارجية، فإن تعريف الشريعة لليهودي (من وُلد لأمٍّ يهودية أو تَهوَّد) ، وهو التعريف الحاخامي الأرثوذكسي، كان تعريفاً مقبولاً ويَصلُح أساساً للتفرقة بين اليهود وغير اليهود. ولكن الوضع اختلف تماماً مع ظهور العلمانية التي بدأت تترك أثرها التدريجي في الجماعات اليهودية إلى أن دخلت اليهودية في الغرب مرحلة الأزمة، فظهر فكر حركة التنوير ثم ظهرت اليهودية الإصلاحية ومن بعدها اليهودية المحافظة واليهودية التجديدية ولا تعترف اليهودية الأرثوذكسية بأتباع هذه الفرق أو بحاخاماتها يهوداً. هذا إلى جانب انتشار نزعات الإلحاد والشك الديني بين اليهود، وظهور ما يُسمَّى «اليهودية الإثنية»(في الولايات المتحدة وروسيا وأوكرانيا وغيرهما من كومنولث الدول المستقلة) وهي يهودية من لا يؤمنون بالعقيدة اليهودية وإن كانوا يمارسون بعض شعائرها باعتبارها شكلاً من أشكال الفلكلور الذي يدعم إثنيتهم اليهودية ويرفع روحهم المعنوية. كما ظهرت اليهودية الإنسانية التي تحاول أن تؤسس عقيدة يهودية لا تستند إلى الإيمان بالشريعة المُوحَى بها وإنما بالقيم الإنسانية العامة. وظهرت أيضاً جماعات يهودية أخرى مثل العلماء اليهود الذين يؤمنون بأن الطب الحديث لا طائل من ورائه، وبأن سر الشفاء يوجد في العهد القديم، وكانوا في الواقع متأثرين بفرقة دينية مسيحية تُسمَّى «العلماء المسيحيون» . وانضم كثير من اليهود إلى فرقة الموحدانيين (يونيتريان Unitarian) المسيحية، واحتفظوا في الوقت نفسه بيهوديتهم. بل وظهرت جماعة تُسمَّى «اليهود من أجل المسيح» ، وقد اعتنق هؤلاء المسيحية، واعتبروا المسيح عيسى بن مريم هو الماشيَّح اليهودي، ولكنهم لم يعترفوا ببنوته للرب، وهكذا. وقد أصر كل هؤلاء (رغم إلحادهم الكامل أو رفضهم معظم مقولات الشريعة اليهودية) على أن يُسموا «يهوداً» ، الأمر الذي ولَّد موقفاً غريباً إلى أقصى درجة وهو