أن الغالبية العظمى ليهود العالم لم تَعُد تلتزم بالشريعة اليهودية، ولم يَعُد ينطبق عليها مصطلح «يهودي» ، حسب التعريف الحاخامي، ولكن هذه الغالبية تصرُّ في الوقت نفسه على الاحتفاظ بلقب «يهودي» ، بينما لا توجد سوى أقلية صغيرة للغاية ملتزمة بالشريعة تحتفظ هي الأخرى بلقب «يهودي» وتدَّعي لنفسها حقّ أن تقرر من هو اليهودي، ولذا فهي تذهب إلى أن أغلبية اليهود الساحقة ليسوا يهوداً! وقد صرح آفى بيكر، محرر إحدى التقارير التى أصدرها المؤتمر اليهودى عن أوضاع الجماعات اليهودية فى العالم، أن الانفصال بين اليهود الأرثوذكس واليهود العلمانيين قد خلق شعبين مختلفين لايتفاعلان.
الخريطة العامة للهويات اليهودية فى الوقت الحاضر
General Map of Jewish Identities at the Present
لاحظنا التطور التاريخي للهويات اليهودية المختلفة والذي نجم عنه ظهور هويات لا حصر لها ولا عدد. كما لاحظنا أن تعريف الشريعة اليهودية لمن هو اليهودي كان تعريفاً يعاني من الخلل، فلا هو بالديني ولا هو بالعرْقي، بل يجمع عناصر دينية وعرْقية دون تعريف حدود كل عنصر. وقد زادت الصورة اختلاطاً وسوءاً مع ظهور الفرق اليهودية الحديثة، وظهور اليهودية الإثنية والإنسانية، وإصرار كل هؤلاء على أن يسموا أنفسهم يهوداً.
كل هذا يعني أن كلمة «يهودي» تشير إلى أشخاص يؤمنون بأنساق دينية متعارضة من بعض النواحي، وينتمون إلى تشكيلات حضارية مختلفة، أي أنها دال يشير إلى مدلولات دينية وقومية مختلفة. ولتوضيح الصورة قليلاً، يمكن القول بأن مصطلح «يهودي» كان يشير، منذ نهاية القرن التاسع عشر وحتى عشية ظهور الدولة الصهيونية، إلى عشرات الهويات والانتماءات الدينية والوثنية والطبقية: