وقد ظل هذا الوضع قائماً في أوربا، بصور مختلفة، حتى القرن السابع عشر، حين بدأت تظهر الطبقات البورجوازية المحلية (المسيحية) ثم الدول المطلقة ووريثتها الدولة القومية الحديثة التي بدأت تضطلع بكل وظائف الجماعات الوظيفية، وهو ما أدَّى إلى الاستغناء عنها، وانهيار الهيكل القانوني والسياسي الذي كان يجسد عملية الفصل بين الطبقات من ناحية، والجماعات الدينية والإثنية التي كانت تدار على أساسها الدولة في المجتمع التقليدي من الناحية الأخرى. وقد طالبت الدولة القومية الحديثة أعضاء الجماعات اليهودية وكل الأقليات بالتخلص من خصوصيتهم الدينية أو الإثنية أو العرْقية، وبأن يقوموا بإعادة تعريف هويتهم بشكل يتفق مع ما تتطلبه من ولاء قومي كامل من كل المواطنين، وحاولت تخليصهم من تمايزهم الوظيفي والاقتصادي. وهذه عملية يمكن أن نطلق عليها مصطلح «تحديث الهوية» أو «علمنة الهوية» . وتتم هذه العملية وتكتمل حينما يتحول أعضاء الجماعة اليهودية من جماعة وظيفية وسيطة إلى أعضاء في الطبقة الوسطى، أو أيٍّ من الطبقات الأخرى في المجتمع.