للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وقد أشرنا إلى أن العقل المادي عقل تفكيكي عدمي غير قادر على التركيب أو التجاوز. ويتضح هذا في أنه عقل قادر على إفراز قصص (نظريات) صغرى مرتبطة بفضائها الزماني والمكاني المباشر على أحسن تقدير (كما يقول دعاة ما بعد الحداثة) ، أي أنه قادر على إفراز مجموعة من الأقوال التي لا شرعية لها خارج نطاقها المادي المباشر الضيق المحسوس (فالعقل المادي يُدرك الواقع بطريقة حسِّية مباشرة) . ومن ثم فهو عقل عاجز عن إنتاج القصص الكبرى أو النظريات الشاملة عاجز عن التوصل للحقيقة الكلية المجردة التي تقع خارج نطاق التجريب. ولذا فالعقل المادي لا يُنكر الميتافيزيقا وحسب وإنما يُنكر الكليات تماماً وينتهي به الأمر بالهجوم على العقل الإنساني والعقل النقدي لأنهما يتوهمان أنهما يتمتعان بقدر من الاستقلال عن حركة الطبيعة/المادة. وبذلك يختفي الإنسان كمرجعية نهائية بل يختفي مفهوم الطبيعة البشرية نفسه، ثم تختفي سائر المرجعيات وتصبح الإجراءات الشيء الوحيد المتفق عليه. وهكذا لا يتحرر العقل المادي من الأخلاق وحسب وإنما يتحرر من الكليات والهدف والغاية والعقل، ومن ثم تتحوَّل العقلانية المادية إلى لاعقلانية مادية.

<<  <  ج: ص:  >  >>