وقد أسلفنا أن المنطقة التي تَركَّز فيها اليهود، إبَّان القرن التاسع عشر، كانت منطقة لم تَدُر فيها أية معارك كبرى أو حروب حتى الحرب العالمية الأولى. ولكن، مع الحرب العالمية الأولى، تغيَّر الموقف تماماً حينما تحوَّلت بولندا وجاليشيا وليتوانيا ورومانيا وسالونيكا إلى مسرح للعمليات العسكرية. ولم يتوقف الأمر مع نهاية الحرب، إذ أصبحت أوكرانيا مسرحاً لعمليات عسكرية عديدة التحمت فيها القوات البلشفية مع قوات الروس البيض (حيث انضم الأوكرانيون إلى الفريق المعادي للثورة) ، وتم الهجوم على أعضاء الجماعة اليهودية الذين كان يُنظَر إليهم باعتبارهم عملاء للبلاشفة، إذ أن هؤلاء كانوا قد وضعوهم تحت حمايتهم، كما كان ميراث يهود الأرندا جزءاً من تجربة الأوكرانيين التاريخية. وكان تجنيد اليهود في القوات المسلحة يتم بصورة كاملة، بعدما أصبح عتق اليهود حقيقة مستقرة، فبلغ مجموع عدد المحاربين اليهود في الجيش الروسي والنمساوي والألماني وفي قوات الحلفاء نحو نصف مليون يهودي، وهو عدد ضخم في واقع الأمر. وقد سقط من اليهود العديد من الضحايا، فقُتل نحو ١٢ ألف جندي ألماني يهودي. ولنا أن نتخيل نسبة القتلى بين المقاتلين اليهود في كل الأطراف، ولكن يجب أن نشير إلى أن هذا العنصر لا ينقص من عدد اليهود بصورة مباشرة فقط، أي من خلال الوفاة، فذلك يتم بصورة غير مباشرة أيضاً من خلال العزوف عن الإنجاب. ففي مناطق وفترات الحروب والثورات، بكل ما تسببه من حركة وعدم طمأنينة، يجد البشر أن من السخف بمكان إنجاب طفل ليعيش في هذه الدنيا.