أ) الصورة الأولى تفشل في رصد تلك الجوانب النبيلة في الإنسان مثل مقدرته على التضحية بنفسه من أجل وطنه أو من أجل أبيه أو أمه، ومقدرته على ضبط نفسه من أجل مُثُل عليا.
ب) الصورة الثانية تؤكد أن الإنسان غير قادر على الثورة والتجاوز. وبالفعل، يُلاحَظ في العصر الحديث هيمنة نظم سياسية تسيطر عليها رؤى تكنوقراطية محافظة. ومع هذا، لم تنجح المادية تماماً في قمع الإنسان وتسويته بالأمر الواقع. فالإنسان لا يزال قلقاً وغير راض، وهو إن لم يُعبِّر عن قلقه من خلال الثورة الناضجة فهو يُعبِّر عن هذا القلق بأشكال مرضية.
وفي محاولة لتفسير هذه الجوانب الإنسانية غير المادية من الوجود الإنساني، يذهب الماديون إلى أن كل هذا حدث بالصدفة من خلال عملية كيميائية بسيطة ثم وصلت الكائنات بعد ذلك إلى درجة من التركيب من خلال قانون التطور. وهو ما يعني أن قانون الصدفة وقانون التطور هما القانونان الأساسيان؛ فالصدفة هي سفر التكوين أو قصة الرؤية المادية بشأن الخلق، والتطور هو تاريخها غير المقدَّس، الزمني المكاني. والتطور نفسه خاضع للصدفة وصراع القوة، فكأن الصدفة أو القوة (أو كلتيهما) محرك للكون وضمنه الإنسان. هذا التفسير المادي للأمور هو تفسير ميتافيزيقي رغم إنكاره للميتافيزيقا؛ وهو يهدف إلى سد الثغرة في النظام الطبيعي وإلى تصفية ظاهرة الإنسان وإلغاء الحيز الإنساني، ذلك لأن التفسيرات المادية غير قادرة على استيعاب أية ثنائية أو أي تركيب يتحدى النظام الواحدي المادي البسيط (فهي تفسيرات تُؤثر البساطة والواحدية على التركيب والتعددية) .