للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

٣ ـ وهناك حس الإنسان الخُلقي والديني، والجمالي، وقلقه، وتساؤله عن الأسئلة النهائية الكبرى. وهي أحاسيس لا يمكن تفسيرها على أساس مادي، فالأمر أكثر صعوبة من مجرد تفسير وجود الأفكار. وكما ينتهي الفكر المادي بإنكار الفكر، وإنكار الكل، فهو ينكر أيضاً الحس الخُلقي والجمالي ويُسقط الأسئلة النهائية. وعلى هذا، فإن عبارات مثل «القتل شر» و «هذه اللوحة جميلة» و «قلق الإنسان على مصيره في الكون» هي عبارات لا معنى لها من منظور مادي، تماماً مثل عبارة «الله رحيم» أو «الله موجود» ، فكلها عبارات لا يمكن إثباتها أو دحضها من خلال المنهج العلمي المادي.

٤ ـ المادية تفشل في تفسير إصرار الإنسان على أن يجد معنى للكون ومركزاً له. والحقيقة أنه حينما لا يجد هذا المعنى، فإنه لا يستمر في الإنتاج المادي مثل الحيوان الأعجم وإنما يتفسخ ويصبح عدمياً ويتعاطى المخدرات وينتحر ويرتكب الجرائم دون سبب مادي واضح. وتزداد قضية المعنى حدة مع ازدياد إشباع الجانب المادي في الإنسان، فكأن إنسانية الإنسان لصيقة بشيء آخر غير مادي. والبحث عن المعنى عبَّر عن نفسه على هيئة فنون وعقائد. وكما يقول علي عزت بيجوفيتش، فإن "الدين والفن مرتبطان بالإنسان منذ أن وُجد على وجه الأرض، أما العلم (المادي) فهو حديث، وفشل العلم المادي (الذي يدور في إطار نماذج مادية) في تفسير الإنسان وفي التحكم فيه هو دليل فشله في إدراك الظاهرة الإنسانية وإدراك أن الحلول التي يأتي بها حلول ناقصة".

٥ ـ والفلسفات المادية تدور في إطار المرجعية المادية، ولذا فإنها ترسم صورة واحدية للإنسان إما باعتباره شخصية صراعية دموية قادرة على خرق كل الحدود وعلى إعلاء إرادتها وتوظيف قوانين الحركة لحسابها، أو باعتباره شخصية قادرة على التكيف مع الواقع والخضوع لقوانين الحركة. وهذه صورة ساذجة غير حقيقية:

<<  <  ج: ص:  >  >>