للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

كل هذه الأوضاع اضطرت أعضاء الجماعات اليهودية لبيع أراضيهم الزراعية، وصدرت التشريعات التي تحرِّم عليهم امتلاكها فزاد تركزهم في التجارة وتبلور وضعهم كجماعة وظيفية تجارية أو مالية.

ومع حلول القرن الثالث عشر الميلادي، أصبح ذلك هو الوضع القانوني والاقتصادي لمعظم الجماعات اليهودية في أوربا الإقطاعية. لكن هذا لم يكن يعني عدم وجود فلاحين يهود يعملون بالزراعة، فقد كان يوجد، في البلقان وبلاد الخزر والصين وبولندا وإسبانيا المسيحية، يهود يعملون بهذه المهنة.

أما العالم الإسلامي، فلم يحدث فيه، في تلك الفترة، تَمايُز وظيفي أو اقتصادي كبير لأعضاء الجماعة اليهودية عن بقية السكان، وإن كان يُلاحَظ أن أعضاء الجماعات اليهودية فيه لم يعملوا بأعداد كبيرة في الزراعة. والجدير بالملاحظة أن كثيراً من التجار والمموِّلين اليهود كانت لهم علاقة بالقطاع الزراعي، لا كمزارعين وإنما كتجار وجامعي ضرائب. فنظام الأرندا هو في جوهره نظام لتأجير الأراضي الزراعية. كما أن ارتباط اليهود ببيع الخمور هو نتيجة علاقتهم بالقطاع الزراعي. فضلاً عن أن كثيراً من التجار اليهود كانوا يتاجرون في المحاصيل الزراعية.

وثمة نظرية تذهب إلى أن بقاء اليهود واستمرارهم هو نتيجة عدم اشتغالهم بالزراعة. فحينما يبتعد أعضاء الجماعات اليهودية عن الزراعة فإنهم يتحولون عادةً إلى جماعة وظيفية يتم عزلها ثقافيا وفعلياً عن المجتمع، ومن ثم تتطور لها هوية مستقلة الأمر الذي يضمن استمرارها. هذا على عكس وضع أعضاء الجماعات اليهودية حينما يعملون بالزراعة، فهم يختلطون بالسكان ويكتسبون ملامحهم وخطابهم الحضاري ويذوبون فيهم، ومن ثم فإن الفارق بين القبائل العبرانية التي هُجِّرت إلى أشور وانصهرت واختفت وتلك التي هُجِّرت إلى بابل وبقيت هو أن الأولى عملت بالزراعة فذابت واختفت أما الثانية فقد اشتغل بعض أعضائها بالتجارة فتم عزلهم وتَحقَّق استمرارهم.

<<  <  ج: ص:  >  >>