للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

تتسم علاقة الجماعات اليهودية بالمجتمع الغربي بأنها علاقة نفعية تعاقدية لا تتسم بالتراحم. فقد نظر العالم الغربي إلى أعضاء الجماعات اليهودية منذ البداية باعتبارهم وظيفة تُؤدَّى ودوراً يُلعَب وعنصراً موضوعياً مُجرَّداً ومحايداً، مجرد مادة بشرية، فكانوا يُستجلَبون ليؤدوا وظيفة التاجر والمرابي. وكان أعضاء الجماعة اليهودية عادةً من الغرباء، ولذا كانوا يُعَدون ملكية خاصة للملك (أقنان بلاط) الذي كان له حق امتلاك اليهود (باللاتينية: «جودايوس هابيري judaeos habere» » ) ، أو حق الاحتفاظ باليهود (باللاتينية: «جودايوس تنيري judaeos tenere» .» ) وكان من حقه بيعهم كما تبيع أية مدينة حق استعمال مناجمها أو طرقها العامة. ولذا، كان اليهود أقرب ما يكونون إلى ممتلكات تُفرَض علىها ضرائب أو أدوات إنتاج، فكان يُشار إليهم بوصفهم عبيداً أو ملْكاً منقولاً كالأثاث (بالإنجليزية: «تشاتيل chattel» ) ، وكانت كثير من المواثيق تشير إليهم باعتبار أنهم يخضعون للملك وملْك له، يرثهم من يرث العرش! ولعل السبب في وقوع قدر كبير من الخلل التحليلي هو أن كثيراً من الدارسين لم يدركوا طبيعة وضع الجماعات اليهودية داخل التشكيل الحضاري الغربي من حيث هي وظيفة تُؤدَّى، واستمروا في اعتبارها طبقة أو أعضاء في طبقة. وكان أعضاء الجماعات اليهودية يُعطَون حقوقاً ومزايا تضمنها مواثيق يشترونها من الحاكم. ولكن المواثيق التي كانت تُمنَح لهم لم تكن قط نهائية وإنما كانت تُجدَّد دائماً. وكان يتعيَّن عليهم أحياناً دفع مبلغ للإمبراطور كل عام لتأكيد حقه في أنهم ملْك له (وهو استمرار للفيسكوس جواديكوس أو ضريبة اليهود التي فُرضت عليهم بعد سقوط الهيكل) . ولعل حدة هذا الوضع قد خفتت قليلاً عبْر القرون والسنين ولكنها ظلت قائمة حتى أوائل القرن التاسع عشر في كثير من أنحاء أوربا (وقد تعيَّن على الفيلسوف الألماني اليهودي موسى مندلسون أن يدفع ضريبة انتقال،

<<  <  ج: ص:  >  >>