ويُقابل الإحساس العميق بالغربة والعزلة والعجز والانفصال عن المكان تَعمُّق إحساس عضو الجماعة الوظيفية اليهودية بهويته، فهي إحدى آليات العزل غير الواعية. ومع هذا، فإن الهوية هنا حالة عقلية إذ أن هوية عضو الجماعة الوظيفية اليهودية تتشكل داخل حدود المجتمع الذي يعيش فيه لا خارجه، ومن خلال تفاعله اليومي المتعيِّن مع الخطاب الحضاري لمجتمعه لا رغماً عنه. ولذا فرغم ادعاءات أعضاء الجماعة الوظيفية اليهودية عن تَميُّزهم، إلا أنهم في واقع الأمر يندمجون في مجتمعاتهم. وثنائية ادعاء التميز وواقع الاندماج والذوبان مسألة أساسية لعضو الجماعة الوظيفية اليهودية حتى يتسنى له أن يلعب دوره الوظيفي، وحتى يظل «في المجتمع دون أن يكون منه» ، يتعامل مع أعضاء المجتمع بكفاءة عالية لا يمكنه أن يحققها إلا بمعرفة المجتمع وتَملُّك ناصية خطابه الحضاري، ولكنه في الوقت نفسه لا يتعاطف معهم ويحتفظ بمسافة عقلية وعاطفية كبيرة بينه وبينهم بسبب هويته الوهمية.
٤ ـ ازدواجية المعايير:
تظهر ازدواجية المعايير بشكل حاد في حالة أعضاء الجماعات اليهودية، فقد قسمت العقيدة اليهودية العالم في كثير من الأحيان إلى اليهود من جهة والأغيار من جهة أخرى. وكان بإمكان اليهودي أن يقرض الأغيار بالربا، ولكنه يُحرِّم على نفسه أن يفعل ذلك مع اليهود. وكان اليهود يعتبرون أنفسهم شعباً مقدَّساً (وهذا يعني أن أعضاء المجتمع مباحون) . ولعل هذا يُفسِّر وجود أعضاء الجماعات اليهودية بشكل ملحوظ في جرائم انتهاك الحرمات مثل البغاء ونشر المجلات الإباحية وغير ذلك. وحتى لا يتم استخلاص أية تعميمات عنصرية من ذلك، لابد أن نشير إلى أن أعضاء الجماعة الوظيفية يتسمون أيضاً بالأمانة الشديدة نظراً لحيادهم وخوفهم من النخبة والجماهير على حدٍّ سواء.