والإنسان الإنسان، ثمرة النزعة الربانية، يقف على طرف النقيض من الإنسان الطبيعي/المادي ثمرة النزعة الجنينية، فهو ذو هوية محدَّدة يكتسبها من خلال الحدود المفروضة عليه ولكنه لا يتمركز حول ذاته، وفي إطار المرجعية المتجاوزة يمكنه تأكيد إنسانيته لا بالعودة إلى ذاته الضيقة (الطبيعية) والرغبة في التحكم في الكون، وإنما بالإشارة إلى النقطة المرجعية المتجاوزة. وهو أيضاً لا يفقد ذاته ولا يتمركز حول الموضوع (الطبيعة/المادة) ، أي أنه لا يتأرجح بين الواحدية والثنائية الصلبة ولا بين الصلابة والسيولة. فوجود المركز المتجاوز ضمان لأن يحتفظ بهويته وذاته ولا يغوص في حمأة المادة ولا يذعن لقوانينها وحتمياتها.
والإنسان الإنسان، على عكس الإنسان في الحالة الجنينية، قادر على تفسير العالم والنصوص، فاللغة ليست أيقونات تُشير إلى ذاتها، وإنما مفردات وجُمل لها قواعدها، وهو للسبب نفسه قادر على التواصل مع الآخرين، ومن ثم قادر على تجاوز ذاته والتحرك مع الآخرين داخل الحدود التاريخية والاجتماعية والحضارية، التي تشكل حيزنا الإنساني الذي نحقق فيه جوهرنا الإنساني. فهو إنسان فرد له قصته الصغيرة، ولكنها صدى للإنسانية المشتركة وللقصة الإنسانية الكبرى.