واستقر في أذهان كثير من الباحثين الاجتماعيين أن نتائجهم علمية لا يرقى إليها التصحيح ... وأصبح من المسلمات في الرسائل الجامعية في العلوم الاجتماعية الإنسانية ألا تُعاد دراسة الموضوع؛ لأن ما سبق من بحوث قد استقر [باعتباره] حقائق علمية. ثم إن هذه البحوث تدَّعي الموضوعية العلمية المطلقة، وأن لا شأن لذات الباحث أو أيديولوجيته أو تحيزاته أي تدخُّل في مختلف مراحل البحث وتفسيراته، فالنتائج جاءت «علمية» من خلال معطيات الواقع العيني.
"ومع هذا الاختزال الإمبريقي الوضعي الوظيفي للمنهج العلمي الطبيعي في آفاقه الرحبة والمتجددة، فإن ثمة مناهج أخرى للمعرفة العلمية تبدأ من الملاحظة والمشاركة الملاحظة (بكسر الحاء) امتداداً إلى الحس التاريخي والوعي الذاتي. والبصيرة والحدس، والفهم الكيفي في السياق الثقافي الاجتماعي التاريخي والخبرة الإنسانية. وليس بالضرورة أن تلجأ تلك المناهج إلى البيانات الرقمية والقياس؛ إذ أن تلك الأدوات كثيراً ما تُشوِّه المعرفة بعالم الوعي والخبرة والفهم النوعي للواقع وإمكانات المستقبل، فضلاً عن قصورها عن فهم القيم وديناميات الدوافع والأخلاق.