والإنسان وعن "الإنسان الشامل الذي يختزن في نفسه قدراً لا مثيل له من المعرفة بالكون كله". ولكن ما هي النتيجة النهائية لهذا التأرجح الكوميدي بين الاندماج العضوي في الطبيعة والإذعان لها من جهة، والانفصال عنها وتملكها والهيمنة عليها من جهة أخرى. يختتم الدكتور مرسي مقاله بقوله "هناك يتوحَّد الإنسان تماماً مع المجتمع والطبيعة"، أي أن الحالة الجنينية والواحدية المادية تنتصر تماماً. وعلى كلٍّ، فإن عنوان هذا الجزء من المقال هو "نحو وحدة الكون" وليس "نحو مركزية الإنسان في الكون أو هيمنته عليه".
ولكن العدد الأكبر من علمائنا الأجلاء كانوا من المدافعين عن الإنسان ضد المادية والطبيعية. فعلى سبيل المثال، يقول الدكتور حامد عمار في كتابه من همومنا التربوية والثقافية:
"إن منهج التفكير العلمي الذي أرسته العلوم الطبيعية قد شاع باعتباره المنهج الصحيح الوحيد في الوصول إلى المعرفة الصحيحة. واصطنعت العلوم الاجتماعية الإنسانية هذا المنهج في دراستها وبحوثها. بيد أن معظمها قد توقف عند المرحلة النيوتونية من مناهج البحث العلمي الطبيعي، واختزال المنهج إلى تجزئة الظواهر وتفكيك أجزائها، ومحاولة فرض الفروض المرتبطة بذلك الجزء أو ذاك، وإخضاع الفروض حوله للقياس والاختبار. وجرى العُرْف عند الكثيرين على اعتبار النتائج علمية ثابتة غير قابلة للتعديل.
"وأُطلق على هذه التجزئة للظواهر وإخضاعها للدراسة الميدانية العينية ما عُرف باسم المنهج الإمبيريقي أو الوصفي، محللاً للظاهرة كما تُوجَد في موقعها الزماني والمكاني ... ودون تَصوُّر لأنواع العلاقات ودينامياتها في الظاهرة المدروسة مع سياقها الثقافي الاجتماعي. ومن ثم فقدت الدراسة منظوماتها العضوية الدينامية في إطار الزمان والمكان والبُعد التاريخي لنشأتها وتطورها وتوظيفها الاجتماعي.