للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ثمة وعي عميق بإشكالية التمييز بين الإنساني والطبيعي في الأدبيات العربية، فالمفكر الماركسي د. فؤاد مرسي يدعو بوضوح في كتاب إشكالية العلوم الاجتماعية (في دراسة له بعنوان "المنهج بين الوحدة والتعدد") إلى عدم التمييز بين الإنسان والطبيعة فيُعرِّف الإنسان بأنه "قوة من قوى الطبيعة"؛ إنسان طبيعي/مادي يتكيف معها ولكنه في الوقت نفسه يُعيد صياغتها. وهذه هي الإشكالية الكبرى التي تواجه الماديين ودعاة العلمانية الشاملة: هل الإنسان الطبيعي/المادي يزعن للطبيعة أم يهيمن عليها؟ وتتضح الإشكالية في كتابات د. فؤاد مرسي نفسه، فهو يؤكد أن الإنسان سيزداد وعياً ومن ثم سيزداد بُعداً عن الحيوان. ولكنه يعود ويُعرِّف الإنسان في إطار طبيعي مادي ويجد أن "الاقتصاد هو مجال رئيسي للعلاقة المتبادلة بين الطبيعة والمجتمع"، فبعد أن "ابتعد" الإنسان عن الحيوان، وهو ما يعني ابتعاده عن الطبيعة وتفوقه عليها فإنه يعود فيدخل في علاقة "تبادلية" تفترض المساواة الكاملة. وتظهر هذه التبادلية بشكل أوضح حين يُوحِّد د. فؤاد مرسي بين الطبيعة والمادة فيقول "لهذا أصبح العلم كله، طبيعياً واجتماعياً، علماً ذا طابع اجتماعي". و"أصبح تَقدُّم البشرية حالياً رهناً إلى حدٍّ كبير بالتداخل الأكبر والتفاعل بين العلوم الاجتماعية والعلوم الطبيعية". والتداخل والتفاعل قد يعني ثنائية (وهو ما يرفضه الفكر المادي) ، وقد يعني مساواةً وتَوحُّداً، وهو الأرجح، ولذا نجده في السطر التالي يقول: "إن كل محاولة للفصل بين المجتمع والطبيعة تصبح محاولة وهمية. فوجود المجتمع هو جانب من وجود الطبيعة". ولكنه يعود للثنائية فيقول: "وتاريخ المجتمع هو تاريخ امتلاك الإنسان للطبيعة"، ثم يعود للواحدية فيقول: "إن وحدة الثورتين التكنولوجية والاجتماعية كفيلة في المستقبل أن تجعل من البشر لأول مرة في التاريخ، السادة الحقيقيين للطبيعة". ثم يتحدث عن احتدام الصراع بين الطبيعة

<<  <  ج: ص:  >  >>