ويمكن القول بأن صفة الحدودية هذه تنطبق بشكل عميق وأساسي على أعضاء الجماعات اليهودية في العالم الغربي، خصوصاً في شرق أوربا قبل الثورة الصناعية. ولأن وضع هذه الجماعات، كجماعات وظيفية، هو ما أفرز الصهيونية التي هيمنت إلى حدٍّ كبير على كل يهود العالم، وهذه الظاهرة تكتسب أهمية خاصة في الوقت الحاضر.
ويُلاحَظ أن أول ذكر للعبرانيين جاء فيه أنهم جماعات بدوية تنتقل من بلد إلى آخر، فتبقى إما على حدوده الفعلية، أو تدخل إليه للسقيا أو الاستقرار المؤقت. وهم بوصفهم بدواً رُحَّلاً يشكلون فئة اجتماعية تعيش على هامش المجتمع وفي ثغراته. وتدل الإشارات التي وردت في العهد القديم على أن العبرانيين كانوا يرابطون على حدود المدن، شأنهم شأن كثير من البدو الذين يحضرون للاتجار وتبادل السلع، أو يسيرون على طرق التجارة التي تمتد من مكان إلى آخر. وحينما نزل العبرانيون مصر، استوطنوا في جوش (محافظة الشرقية الآن) ، وهي منطقة متاخمة لكل من شبه جزيرة سيناء وحدود مصر. ومن الواضح أنهم ظلوا اجتماعياً على حدود المجتمع، يعملون عبيداً أو بنائين، ولذا كان من الممكن طردهم. وبعد التغلغل العبراني في أرض كنعان، استقروا فيها، وهي بلدة على الحدود بين القوتين العظميين آنذاك: مصر وبلاد الرافدين. وتاريخ مملكة داود وسليمان هو تاريخ الانكماش المؤقت لهاتين القوتين، تماماً كما أن تاريخ الدويلتين العبرانيتين (المملكة الجنوبية والمملكة الشمالية) هو تعبير عن الصراع بين هاتين القوتين حينما عادت إليهما الحياة والقوة مرة أخرى. ومعنى ذلك أن وجود الدولة العبرانية والدويلتين العبرانيتين كان في مراحل زمنية مفصلية، أي في مرحلة حدودية بين مرحلتين إن صحَّ التعبير.