ويمكن القول بأن موقع فلسطين الجغرافي يجعل منها دولة حدودية. ولكن حدودية فلسطين ليست صفة جغرافية ثابتة وإنما صفة تاريخية عارضة. فحدودية فلسطين لا تظهر إلا مع تجزؤ المنطقة، وفي غياب قوة محلية تقوم بتوحيدها. فهي قريبة من حدود آسيا مع أفريقيا وتطل على حوض البحر الأبيض المتوسط، وتُعَدُّ مدخلاً لبلدان وادي الرافدين ومفتاحاً للشام ومصر، وهي الطريق الذي يصل آسيا بأفريقيا ويربط مصر بإمبراطوريات الشرق. ولذا، نجد أن معظم الفاتحين منذ عهد الإسكندر (أول غاز غربي للشرق) كانوا يسعون للاستيلاء على فلسطين لتكون ركيزة مشروعهم الاستعماري. وقد كانت هدفاً عَبْر تاريخها للهجرات والغزوات ابتداءً من التسلل العبراني إلى كنعان الذي تزامن مع غزوة شعوب البحر (الفلستيين) . كما كانت هدفاً للغزو الآشوري فالبابلي فالفارسي فاليوناني والروماني، ثم موضع صراع بين البطالمة والسلوقيين، ثم هدفاً لحروب الفرنجة. وقد قام بسماتيك الثاني (٥٩٤ ـ ٥٨٨ ق. م) بتوطين بعض الجنود العبرانيين المرتزقة في جزيرة إلفنتاين باعتبارهم جماعة وظيفية استيطانية قتالية. وكانت إلفنتاين تقع على حدود مصر الجنوبية وكانت ذات أهمية إستراتيجية خاصة، كما كانت مركزاً للمحاجر المصرية.
وتحوَّلت فلسطين، بعد أن ضمتها الإمبراطورية اليونانية، إلى مسرح للصراع بين السلوقيين والبطالمة. ومع بداية ظهور الرومان، تحالف معهم الحشمونيون، وتمكنوا من تأسيس دولتهم المستقلة في مرحلة مفصلية أو حدودية ثانية. وبعد أن ضمتها الإمبراطورية الرومانية، صارت فلسطين أحد مسارح الصراع بين الرومان والفرثيين الذين هيمنوا على بلاد الرافدين آنذاك. وقد ظهرت في تلك الفترة إمارة حدياب التي كانت إمارة حدودية تقع بين الدولة الفرثية والإمبراطورية الرومانية. لكن الصراع حُسم لصالح الرومان وقُضيَ على الإمارة اليهودية. وبهذا، أصبحت فلسطين مقاطعة تابعة يحكمها الحاكم الروماني مباشرةً.