للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وقد كان لحدودية أعضاء الجماعات اليهودية أعمق الأثر فيهم. فنتيجةً لوضعهم هذا، تزايد التصاقهم بالحاكم إلى أقصى حد، إذ أنهم باعتبارهم أداته في الاستغلال كانوا عناصر مرفوضة مهددة بالثورات الشعبية، وهذا ما جعلهم في حاجة دائمة إلى الدعم العسكري من السلطة. ويتجلى مدى التصاقهم بالحاكم في وضعهم القانوني في العصور الوسطى في الغرب، إذ كانوا يُعدّون ملكية خاصة للملك (أقنان بلاط) يؤدون له الضريبة ويقوم هو بحمايتهم. وكانت دية اليهودي الذي يُقتَل تُدفَع للحاكم وليس لأهل اليهودي، كما كانت عقوبة قتل اليهودي أو أحد أبنائه في بعض بلاد أوربا مثل عقوبة قتل أو إيذاء الفرسان بل أشد في بعض الأحيان. وقد حاول البعض تخفيض العقوبة بحيث تصبح مساوية لعقوبة قتل أو إيذاء فلاح! كان هذا هو وضع يهود ألمانيا ويهود بولندا بشكل عام، ويهود أوكرانيا بشكل خاص إذ كان تميزهم أكثر حدة وإثارة. لقد كانوا ممثلين للقوة الحاكمة بين المحكومين، ويعيشون داخل مدن صغيرة مقصورة عليهم (الشتتل، أي الكيان الغريب المشتول) ، ويتعبدون داخل معابد يهودية تشبه القلاع، تعسكر بالقرب منهم القوات البولندية لحمايتهم!

وبسبب حدودية اليهود، ونتيجة لها في آن واحد، كان العالم الغربي يحوسلهم، أي يحولهم إلى وسيلة، والوسيلة لا قيمة لها في ذاتها، بل تكون المحافظة عليها بقدر نفعها وبمقدار تأديتها الوظيفة المنوطة بها. ومن هنا، كان الحوار الذي بدأ في أواخر القرن الثامن عشر حول حقوق اليهود، يدور في إطار مدى نفع اليهود وجدواهم.

<<  <  ج: ص:  >  >>