وقد ساهمت حدودية اليهود داخل الحضارة الغربية في تعميق المسألة اليهودية فيها وفي تحديد شكل الحلول المطروحة لها. فحدوديتهم الوظيفية والمعنوية عزلتهم عن التطورات العميقة التي حدثت داخل المجتمع الغربي ابتداء من القرن السادس عشر. وجاء عصر النهضة ثم عصر الإصلاح الديني وعصر العقل وعصر الرومانسية، وهي كلها تعبير عن الانقلاب الصناعي الرأسمالي، بينما كان اليهود معزولين عن مجتمع الغرب معنوياً رغم وجودهم فيه.
كما عمَّقت الحدودية الجغرافية، وبشكل حاد، أبعاد المسألة اليهودية. ولنأخذ، على سبيل المثال، الألزاس واللورين: كان يهود هذه المنطقة من الإشكناز الذين يتحدثون اليديشية ويشتغلون بالتجارة والربا ولا يندمجون بمحيطهم الثقافي. وكانت الألزاس واللورين تنتميان إلى التشكيل السياسي الألماني ثم انتقلتا إلى التشكيل السياسي الفرنسي ثم عادتا إلى التشكيل السياسي الألماني مرة أخرى، وانتهى بهما المطاف بعد الحرب العالمية الأولى إلى أن أصبحتا جزءاً من فرنسا. وليس بإمكان أقلية أن تحدِّد ولاءها وهويتها بما يتفق مع متطلبات الدولة القومية في مثل هذا المناخ الذي تتغير فيه هذه المتطلبات.