للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وقد صدرت بعض الدراسات التي تُميِّز بين الظواهر الطبيعية والإنسانية بحماس شديد وبراديكالية صارمة على المستوى النظري. ومع هذا، حينما وصلت هذه الدراسات إلى قضية الفروض، وصفتها في عبارات مثل:

ـ كلما كانت الفروض واضحة، ساعد ذلك الباحث على دقة تحديد أهداف البحث وحسن اختيار عينة البحث وأسلوبه وأدواته.

ـ يجب أن تُصاغ الفروض في كلمات بسيطة كلما أمكن.

ـ يجب أن تكون الفروض محدَّدة في منظورها لا واسعة عريضة.

ـ يجب أن تكون الفروض متمشية مع معظم الحقائق المعروفة السابقة التي ثبت صدقها أو صحتها.

ولابد أن نقرر أن الأمثلة السابقة حالة متطرفة من الاختزالية ولكنها حالة متطرفة ممثِّلة. وما يهمنا تقريره هنا أن النموذج المهيمن في مرحلة صياغة الفروض هو عادةً نموذج اختزالي يستبعد الإنسان كإنسان ويحدد ويُشيِّئ الظاهرة الإنسانية ليجعلها تشبه الظاهرة الطبيعية في بساطتها وبرانيتها، وهو ما يخلق لدى الباحث وهماً مفاده أن الظاهرة الإنسانية يمكن رصدها بشكل براني، عن طريق مراكمة المعلومات التي تتوافر عنها.

بل يمكننا القول بأن العلوم الإنسانية في بلادنا أصبحت تعيش في ظلال النماذج المستمدة من العلوم الطبيعية باعتبارها نماذج بسيطة وواضحة ودقيقة، وأصبح الطموح الخفي للعلوم الإنسانية أن تصبح في بساطة ووضوح ودقة وموضوعية العلوم الطبيعية مما يعني افتراض أن الإنسان ظاهرة طبيعية وأنه جزء لا يتجزأ منها، مما يعني ضمور بل اختفاء الحيز الإنساني (وعلى العكس من هذا نجد أن افتراض انفصال الإنسان عن الطبيعة هو تأكيد للتركيب على حساب البساطة، وللكيف على حساب الكم، وللعمق على حساب الوضوح والدقة) .

<<  <  ج: ص:  >  >>