ويرى الصهاينة أن معظم أشكال معاداة اليهود أشكال بنيوية، أي لصيقة ببنية المجتمع. وتحاول الصهيونية العمالية أن تبرهن على وجود هذه المعاداة البنيوية للسامية من خلال تحليل علاقات الإنتاج في المجتمع لتصل إلى نتيجة مفادها أن المجتمعات البشرية لا تسمح لليهودي أن يعمل في القطاعات الإنتاجية وأن اليهودي من ثم محكوم عليه بالهامشية والطفيلية، وأن الحل الوحيد لهذه الهامشية البنيوية أن يؤسس اليهود لهم وطناً يمارسون فيه سيادتهم القومية ويشغلون فيه كل المواقع في الهرم الإنتاجي.
ويذهب الصهاينة إلى أن معاداة اليهود ليست لصيقة ببنية المجتمع وحسب، بل لصيقة ببنية النفس البشرية. وهذا ما عبَّر عنه شامير بشكل سوقي حين قال إن البولنديين يرضعون معاداة اليهود مع لبن أمهاتهم. ويرى الصهاينة أن العرب والمسلمين يعانون من الظاهرة نفسها، أي المعاداة البنيوية للسامية.
والعلاقة بين «المعاداة البنيوية للسامية» و «الصهيونية البنيوية» علاقة قوية، فإذا كانت الأولى تعني ظهور بنية تلفظ اليهود وحسب، فإن الثانية تعني توظيف عناصر الطرد بحيث يتجه المهاجرون اليهود إلى فلسطين. ولعل ما حدث في العراق في الخمسينيات أنصع مثل لذلك. فحين أدركت الحكومة الإسرائيلية أن يهود العراق لن يهاجروا إليها وأنهم آثروا البقاء في وطنهم، أرسلت مبعوثيها فوضعوا المتفجرات في أماكن تجمُّع اليهود ومعابدهم، لإقناعهم بأن المجتمع العراقي يلفظهم، أي أنهم أعادوا تشكيل بنية العلاقات السائدة بين أعضاء الأغلبية وأعضاء الأقلية، بحيث يصبح المجتمع مجتمعاً طارداً لأعضاء الجماعة اليهودية. وهذه هي معاداة اليهود البنيوية. ولكن الحكومة الإسرائيلية كانت تعرف مسبقاً أن المجال الوحيد المفتوح أمام يهود العراق هو الهجرة إلى فلسطين المحتلة، وهذه هي الصهيونية البنيوية.