فهم غير منتمين إلى المجتمع كما أن الثروة هي مصدر قوتهم ومبرر وجودهم. وفي حالة اليهود في بولندا، على سبيل المثال، كانت الأرستقراطية البولندية تؤكد مكانتها عن طريق الإنفاق والتبذير، وأصبح هذا هو المثل الأعلى لقطاعات الشعب البولندي كافة، الأمر الذي لم يشارك فيه أعضاء الجماعة اليهودية الذين كانوا يؤثرون الادخار وسرعة تراكم الثروة. وهذا الوضع يزيد، بلا شك، حسد الجماهير.
ولكن أعضاء الجماعات الوظيفية الوسيطة، برغم غربتهم وتميزهم، كانوا يجدون أنفسهم في قلب الصراعات المختلفة في المجتمع، وبخاصة الصراعات الناشبة بين أعضاء النخبة الحاكمة وبين الطبقات الأخرى للمجتمع، خصوصاً الطبقات الشعبية، إذ أن قطاعات من النخبة الحاكمة كانت تستخدم أعضاء الجماعات الوظيفية الوسيطة لضرب بعض طبقات المجتمع لاستغلالها أو كبح جماحها. فأعضاء الجماعة هم سوط في يد الحاكم، أو هكذا كان يراهم المحكومون، ولكنهم أيضاً كبش الفداء الذي يتم التخلص منه عند الحاجة وأمام الهجمات الشعبية، فالأداة ليست غاية في ذاتها. ورغم أن هذه الهجمات على الجماعات اليهودية (الوظيفية) في الغرب تُعدُّ هجمات عنصرية، فيجب ألا نهمل الجانب الشعبي فيها وأنها تمثل جزءاً من تمرُّد الجماهير على عملية الاستغلال، وإن كان تمرداً قصير النظر، كما هو الحال عادةً مع الهبّات الشعبية. ولم تكن هذه الثورات ثمرة إدراك عميق لحركيات الاستغلال، ولذا اقتصرت على تحطيم الأداة الواضحة أمامهم والمباحة لهم. ويقابل الهجمات الشعبية ضد أعضاء الجماعات اليهودية الانفجارات المشيحانية بينهم، فهي انفجارات تُعبِّر عن ضيق قطاعات أعضاء الجماعات اليهودية بوضعهم الاقتصادي والوظيفي والنفسي.