ولعل من أهم الأسباب التي أدَّت إلى ظهور معاداة اليهود وانتقالها من حالة الكمون إلى مستوى البنية الاجتماعية أن معظم الجماعات اليهودية كانت تشكل جماعات وظيفية قتالية وتجارية في المجتمعات القديمة، وكذلك في المجتمع الغربي في العصر الوسيط حتى القرن التاسع عشر. وقد كانت الجماعات الوظيفية تتكون دائماً من عناصر بشرية غريبة عن المجتمع حتى يمكنها أن تضطلع بوظائف كريهة أو مشبوهة أو متميِّزة تتطلب الموضوعية وعدم الانتماء، مثل: التجارة والربا والقتال والبغاء. ولذا، نجد أن موقف أعضاء الجماعات الوظيفية من المجتمع يتسم بالحياد والنفعية، فهم ينظرون إلى مجتمع الأغلبية باعتباره سوقاً أو مصدراً للربح، كما ينظر أعضاء المجتمع إليهم باعتبارهم أداة لتنشيط التجارة أو القتال. وكان يُنظَر إليهم في المجتمعات التقليدية باعتبارهم وسيلة لا غاية وأداة من أدوات الإنتاج لا أكثر، ولذلك كان أعضاء الجماعة لا حرمة لهم في كثير من الأحيان (فهم غرباء) والغريب في معظم الأحوال مباح لا قداسة له. وفي العادة، يتركز أعضاء الجماعات الوظيفية الوسيطة في قطاعات اقتصادية بعينها يبرزون فيها، الأمر الذي يجعلهم مركزاً للكره والحسد. وعلاوة على ذلك، يدافع أعضاء الجماعة الوظيفية عن مراكزهم الاقتصادية هذه بشراسة وضراوة غير عادية نظراً لعدم وجود بدائل أخرى متاحة أمامهم، فهم عادةً ما يفتقدون الخبرة اللازمة للزراعة والصناعة، ولا يعرفون كثيراً من الحرف بسبب غربتهم وتنقلهم. كما أنهم يدافعون عن مراكزهم الاقتصادية عن طريق شبكة الأقارب والعائلات، الأمر الذي يثير حولهم الشائعات عن عمق بغضهم وكرههم لأعضاء الأغلبية ( «الأغيار» في مصطلح الجماعات اليهودية) . وفي كثير من الأحيان، يحقق أعضاء الجماعات الوظيفية الوسيطة، اليهودية وغير اليهودية، تراكماً للثروة بشكل أسرع من أعضاء مجتمع الأغلبية، نظراً لاستعدادهم لحرمان أنفسهم من كثير من مباهج الحياة،