ومن العناصر الأخرى التي يجب الانتباه إليها عند تحديد ظاهرة معاداة اليهود: مدى قرب أو بعد أعضاء الجماعة الوظيفية الوسيطة اليهودية من النخبة وما إذا كانت ظاهرة معاداة اليهودية ظاهرة رسمية أم شعبية. ويمكن الإشارة إلى أن أعضاء الجماعات اليهودية في التشكيل الحضاري الغربي كانوا دائماً تحت حماية النخبة الحاكمة حتى نهاية العصور الوسطى (وربما بعدها أيضاً) . وفي روسيا القيصرية، على سبيل المثال، لم تشترك المؤسسة الحاكمة في اضطهاد اليهود إلا بعد عام ١٨٨٢، مع دخول النظام القيصري أزمته، وبعد تَعثُّر التحديث، وهي فترة لم تدم طويلاً. وقد استؤنف التحديث مع ثورة روسيا عام ١٩٠٥، ثم الثورة البلشفية، وأصبحت معاداة اليهود جريمة رسمية يُعاقب عليها القانون. وحتى قبل ذلك التاريخ، كانت تتم معاقبة من يقومون بالمذابح الشعبية، وكان التمييز ضد أعضاء الجماعات اليهودية يتم داخل إطار القانون (إن صح التعبير) ويهدف إلى ما كان يُسمَّى «إصلاح اليهود» . كما كان هناك التمييز بين اليهود النافعين واليهود غير النافعين، وكان النافعون يُعطَون حقوقهم كاملة ويتحركون خارج منطقة الاستيطان. هذا على عكس المعاداة الشعبية لليهود والتي لم يكن ينتظمها إطار، وكانت عبارة عن تفجرات تُعبِّر عن الإحباط، ومذابح لا تهدف إلا للتنفيس عن الضغط. ويمكن النظر إلى الظاهرة النازية، من هذا المنظور، باعتبارها ظاهرة حديثة. فعملية الذبح والإبادة (هنا) مسألة منهجية، تتم تحت سمع وبصر الحكومة، وبحكم القانون، وعلى أسس علمية ومن خلال بيروقراطيات متخصصة. وقد يكون من المستحسن أن نرى هذا النوع من معاداة اليهود كجزء من سياسة ألمانيا الكولونيالية التي تهدف إلى إبادة الغجر والسلاف وكل من يعيشون في المجال الحيوي لألمانيا، وهذه عملية تشبه من بعض الوجوه عملية إبادة الجزائريين في فرنسا على يد الفرنسيين، وسكان الكونغو على يد البلجيك، والفلسطينيين على يد