ولقد أشرنا من قبل إلى اتجاه العنصريين إلى تجريد اليهود واختزالهم عن طريق عزلهم عن سياقهم التاريخي وعن غيرهم من الجماعات البشرية. وهنا نضيف أن الصهاينة يفعلون الشيء نفسه في دراستهم لما يلحق اليهود من اضطهاد، فهم يقومون بعزل ظاهرة اضطهاد اليهود عن الظواهر المماثلة أو المختلفة في المجتمع. وبهذه الطريقة، يصبح هذا الاضطهاد شيئاً فريداً غير مفهوم ويصبح عداء الأغيار لليهود أمراً ثابتاً وتعبيراً عن الطبيعة الشريرة للأغيار. ولذا، فحينما يُدرَس الاضطهاد، فإنه لابد من وضعه في سياقه التاريخي حتى يمكننا أن نرى أثر هذا الاضطهاد على جماعات بشرية أخرى. ويمكن القول بأن اضطهاد اليهود في أوربا (بعد القرن الثاني عشر) لم يكن موجَّهاً إليهم باعتبارهم يهوداً وإنما باعتبارهم مرابين (جماعة وظيفية وسيطة) ، كما أن المرابين من الكوهارسين واللومبارد الذين كانوا يحتلون المكان نفسه ويعملون الوظيفة نفسها كانوا يتعرضون أو لا يتعرضون للاضطهاد حسب مدى احتياج المجتمع إليهم أو عدم احتياجه. وبعد عصر الإعتاق والانعتاق، قامت الدولة الفرنسية الجديدة بمحاولة دمج كل الأقليات التي كانت تتمتع بأية خصوصية لغوية أو دينية غير فرنسية، ولم تميِّز في ذلك بين اليهود والبريتون مثلاً. وحينما قامت الإمبراطورية الروسية (القيصرية) بمحاولة فرض الصبغة الروسية على أعضاء الجماعة اليهودية، كانت تفعل ذلك باعتباره جزءاً من سياسة إمبراطورية عليا كانت موجهة ضد كل الجماعات البشرية في الإمبراطورية، وبخاصة غير السلافية (الإيروسنتي) . وقد تعرَّض المسلمون في الإمارات التركية السابقة لدرجة أعلى من الاضطهاد، فقد كانوا أقل تروُّساً، كما أن الانتماء الآسيوي للمسلمين الأتراك جعلهم أكثر ابتعاداً عن الحضارة الروسية من اليهود الذين كانوا أكثر قرباً منها. فرطانتهم اليديشية هي، في نهاية الأمر، رطانة ألمانية، كما أن نخبتهم الثقافية كانت جزءاً من التشكيل