للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وبعد دخول الشرق الأدنى القديم إلى محور الحضارة الهيلينية، نشأ وضع جديد في علاقة اليهود بمن حولهم. ويجب أن نشير ابتداءً إلى أن الرقعة الجغرافية التي تُسمَّى الآن «فلسطين» لم تكن مأهولة بالعنصر العبراني وحسب، إذ كانت المناطق الساحلية مأهولة بالعناصر الفلستية والفينيقية وغيرها، وكانت توجد داخل فلسطين أقوام سامية كثيرة، وكان العنصر اليوناني السائد يهيمن على التجارة ويتركز في المدن، أما العنصر العبراني اليهودي، فكان يعمل بالزراعة. وانضمت إلى العنصر التجاري اليوناني قطاعات كبيرة من النخبة اليهودية من كبار ملاك الأراضي وملتزمي الضرائب. وكانت فلسطين محور صراع بين الدولتين البطلمية والسلوقية، وكان اليهود أحد العناصر المهمة التي يدور حولها الصراع. ويمكن رؤية الهجوم على اليهود في هذه المرحلة باعتباره نتاج هذا المركب التاريخي. فسكان المدن من اليونانيين العاملين بالتجارة كانوا يصطدمون بالجماعة العبرانية اليهودية العاملة بالزراعة. وكانت الدولة السلوقية، في سعيها لدمج فلسطين بمساعدة النخبة اليهودية المتأغرقة، تحاول أن تقضي على العبادة القربانية المركزية وعلى الطابع اليهودي في فلسطين. وفي الإسكندرية، كان السكان اليونانيون يرفضون السماح لليهود بدخول الجيمنازيوم (رمز الانتماء الكامل للبوليس أي المدينة) لعدم مشاركتهم في العبادة اليونانية الوثنية. وقد ساعد على تصعيد حدة معاداة اليهود، في كل الأحوال، أن ديانتهم كانت توحيدية تقف ضد عبادة الأصنام، وكانت بالتالي ديانة فريدة آنذاك من بعض الأوجه. وكان هذا التفرد يُفسَّر من قبل الوثنيين بأنه كُره للبشرية، خصوصاً وأن الطقوس الدينية اليهودية تنسج حول اليهود شبكة كثيفة من العزلة.

<<  <  ج: ص:  >  >>