للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ثانياً: كان قطاع كبير من المثقفين الرومان يرون أن إصلاح حال روما لا يتم إلا بالعودة إلى الأصالة الأولى، واجدين أن التنوع الديني، وبالتالي انتشار اليهودية، يعوق هذا الاتجاه. ونجد هجوماً على اليهود في كتابات بعض المؤلفين الرومان، مثل: هوراس وشيشرون. لكنه لم يصبح هجوماً حاداً إلا بعد القرن الأول كما هو الحال في كتابات المؤرخ كورنيليوس تاسيتوس الذي ردَّد بعض أفكار آبيون عن اليهود واليهودية وبيَّن أن تهود الرومان سيؤدي بهم إلى احتقار أرباب أسلافهم وإلى رفض وطنهم وآبائهم وذريتهم وإخوتهم. ويُلاحَظ أن السياسة الإمبراطورية الرومانية ركزت اهتمامها على الجانب السياسي والأمني لفلسطين، بينما تاسيتوس، مثله مثل آبيون، يركز على الجانب الأخلاقي لليهودية التي يرى أنها الخطر الحقيقي على الإمبراطورية. وقد وجه جوفينال هجوماً على الأجانب (اليونانيين والسوريين وكذلك اليهود) لتقويضهم دعائم الفضيلة في المجتمع، وهو بذلك يتبع نمط آبيون وتاسيتوس نفسه. وبرغم الهجوم الحاد من قبل آبيون وتاسيتوس وجوفينال على اليهود واليهودية، فلا يمكن القول بأن أقوالهم هذه تشكل جزءاً من رؤية اليونان أو الرومان للكون، إذ ظلت هذه الرؤية وثنية تعددية عالمية تقبل تعدُّد الآلهة داخل إطار الوحدة الإمبراطورية. ولذا، وبرغم أحداث الطرد، ظل اليهود يتمتعون بحقوقهم ولم يشكلوا مركزية خاصة في نظرة اليونان أو الرومان إلى العالم.

<<  <  ج: ص:  >  >>