وإذا انتقلنا إلى روما، فإننا سنجد مستويين مختلفين تماماً لمعاداة اليهود: مستوى السياسة الإمبراطورية، ومستوى موقف الأرستقراطية الرومانية من يهود روما أساساً. أما الإمبراطورية الرومانية فلم تكن تهتم كثيراً بالأخلاق اليهودية أو الدين اليهودي إذ أن اهتمامها كان ينصب على تحقيق السلام الروماني وحسب. ولذا، نجد أن تيتوس الذي هدم الهيكل الثاني لم يعتبر نفسه قط عدواً لليهود، بل وكانت عشيقته بيرنيكي أختاً لأجريبا الثاني ملك اليهود. كما حارب في صفوفه جيش يهودي صغير. وقد رفض تيتوس أن يحمل لقب «تيتوس جودايكوس Titus judaocus» ، أي «تيتوس هازم اليهود» ، مثلما سُمِّي «تيتوس أفريكانوس Titus africanus» و «تيتوس جرمانيكوس Titus germanicus» ، أي هازم الأفارقة والألمان، وذلك بسبب صداقته للقوم أو الإثنوس اليهودي. ولذا، اكتفى تيتوس بصك عملة ظهرت عليها عبارة «جوديا كابتا judea capta» ، أي «هُزمت يهودا وأُسرت» ، و «يهودا» هنا تشير إلى الأرض لا الشعب.
وكان عداء الأرستقراطية لليهود متبايناً في دوافعه، ولكنه كان على أية حال يعود إلى سببين أساسيين:
أولاً: رغبة بعض قطاعات من الأرستقراطية الرومانية في تحقيق مكاسب اقتصادية بالتخلص من منافس قوي مثل اليهود.