ولأن النظام الإقطاعي في الغرب كان نظاماً مسيحياً يستند إلى شرعية مسيحية ويتطلب يمين الولاء كشرط أساسي للانتماء إليه، فقد وجد أعضاء الجماعات اليهودية في الغرب أنفسهم خارج كثير من المجالات السياسية والاقتصادية والمدنية المشروعة. وكانت هذه الظروف سبباً ونتيجة في آن واحد لتحوُّلهم إلى جماعة وظيفية وسيطة (أقنان البلاط أو يهود الأرندا أو يهود البلاط) تقوم بأعمال التجارة ثم الربا. وربما كان هذا الوضع (وضع اليهود) هو الذي حدَّد موقف أعضاء المجتمع منهم، فكان يُنظَر إليهم من أعلى باعتبارهم أداة يمكن استخدامها أو استبدالها إن دعت الحاجة، كما كان يُنظر إليهم من أسفل باعتبارهم وحوشاً لابد من ضربها، فهم الأداة الواضحة لاستغلال الجماهير التي لم يكن بوسعها فهم آليات الاستغلال والقمع. وتاريخ أعضاء الجماعات اليهودية في العالم الغربي، وكذلك العداء لهم، هو في معظمه تاريخ اليهود كجماعات وظيفية وسيطة تؤدي وظيفتها إلى أن تظهر قوى أخرى تحل محلها في المجتمع، مُمثَّلة في طبقة وسطى قوية، أو جهاز إداري مركزي، أو الدولة القومية الحديثة. كما أن صعود أو هبوط الجماعة اليهودية هو، في جوهره، تاريخ صعود أو هبوط الجماعة الوظيفية الوسيطة. فحينما كان اليهود أقنان بلاط، كانت شرائح من الطبقات الحاكمة تستفيد من الخدمات التي يؤدونها. وبالتالي، كان اليهود يُمنحون المواثيق التي تضمن لهم الحماية، وتعطيهم المزايا التي تجعل منهم أفراداً يتمتعون بمستوى معيشي أعلى من مستوى معظم طبقات المجتمع الأخرى. وكما قال أبراهام ليون، فإن وضع اليهود لم يتوقف عن التحسن منذ انهيار الإمبراطورية الرومانية عام ٤٧٦، وبعد الانتصار الكامل للمسيحيين حتى القرن الثاني عشر. ويمكن القول بأن النخبة الحاكمة بكل فئاتها (الإمبراطور، والكنيسة، والملوك، والأمراء، والشريحة العليا من الأرستقراطية، وكبار رجال الدين، والبورجوازية الثرية المستقلة في المدن)