وكان كل هذا يتم في إطار فكرة القانون العام والطبيعة البشرية العامة، في وقت لم تكن الدراسات التاريخية والأنثروبولوجية قد أحرزت التقدم الذي أحرزته في أواخر القرن التاسع عشر حيث سقطت فكرة الإنسان الطبيعي والإنسانية العامة وحل محلها إدراك تداخل العناصر التاريخية الخاصة مع الطبيعة البشرية ذاتها.
ومن ثم، طالب عصر العقل (الطبيعي المادي) اليهود (وغيرهم) بالتخلص من خصوصيتهم ليصبحوا بشراً بالمعنى العام (والطبيعي المادي) للكلمة. وكان يُنظَر إلى اليهود الذين يؤثرون الحفاظ على خصوصيتهم الدينية أو الإثنية باعتبارهم «دولة داخل دولة» ، أو على أنهم جماعة قَبَلية في مجتمع تسود فيه مُثُل الليبرالية والعلمانية والاستنارة. ويجب التنبه إلى أن دعاة الانعتاق كانوا يعادون اللهجات المحلية كافة، ومختلف الخصوصيات الإثنية، بل ويُقال إن الكونت دي كليرمونت والأسقف جريجوار (وهما من دعاة إعتاق اليهود شريطة أن يتخلصوا من عزلتهم) كانا يبديان ضيقاً شديداً من الخصوصيات الفرنسية الإثنية واللغوية المحلية (البريتون والفلامنج والأوكستانيان والأوفيرنيان) أكثر من ضيقهم بالخصوصية اليهودية. إذ أن فكر الاستنارة كان يحوي هجوماً على اليهود بوصفهم جماعة لها هويتها، ويغطيه سطح مصقول من القبول العام لليهودي كإنسان طبيعي، وأي إنسان يتفق مع المواصفات القومية العلمانية الجديدة، فالتسامح هنا دعوة للتخلي عن الهوية وللقضاء عليها، وذلك باسم الهوية القومية العضوية الجديدة التي تتجسد في الدولة القومية المركزية. وأدَّى كل هذا في نهاية الأمر إلى ظهور اليهودي غير اليهودي.