لكل هذا، نجد أن عصر الاستنارة هو العصر الذي تم فيه وضع الأسس الفكرية لمعاداة اليهود (وللصهيونية في الوقت نفسه) في العصر الحديث، حيث نجد الأطروحات والصور الإدراكية النمطية الثابتة التي تنسب إلى اليهود قدراً كبيراً من الصفات المنفَّرة، وانطلاقاً من ذلك اقتُرح تهجيرهم إلى مكان آخر حلاًّ لهذا الوضع (أي أن الصيغة الصهيونية الشاملة يكتمل تبلورها في هذه المرحلة) . ومن باب الهجوم المقنَّع على المسيحية، كان يُطرَح أن الكتاب المقدَّس وثيقة مزيفة، وأن أبطال العهد القديم أوغاد لا خلاق لهم (ومتعصبون ضيقو الأفق) مارسوا الاضطهاد الديني ضد الآخرين، وأن اليهود الذين أتوا بالعهد القديم (وهو أكثر أجزاء الكتاب المقدَّس توحشاً حسب رأيهم) شعب همجي؛ قاس وفاسد. وقام دعاة الاستنارة ببعث أطروحات الكنيسة ضد اليهود في محاولة ماكرة لاستخدام هذه الأطروحات لا ضد اليهودية وحسب وإنما ضد المسيحية (باعتبار أن اليهودية أم المسيحية) بل وضد كل الأديان الأخرى. ولهذا، لم يكن الهجوم الاستناري يُشَن على السمات اليهودية في النسق الديني اليهودي وحسب، وإنما كان يُوجَّه كذلك (وأحياناً بالدرجة الأولى) إلى تلك السمات المشتركة بين اليهودية والأديان السماوية الأخرى. وهذا ما فعله فولتير في معجمه الفلسفي (١٧٥٦) ، فهو في المدخل الخاص باليهود يعتبرهم عنصراً مستقلاًّ مستمراً منذ أيام العبرانيين القدامى، ويستبعد أن يكون المصريون القدماء أو الفرس أو اليونان قد أخذوا قوانينهم عن اليهود، مؤكداً أن اليهود (حين احتكوا بهذه الحضارات) لم يتعلموا غير فنون الربا، بل ويرى أنهم شعب جاهل تماماً جمع بين البخل والخرافات وكره الأمم التي تسامحت تجاههم. إلا أنه يضيف:«ولكن يجب عدم حرقهم» وكأن الإبادة بديل مطروح للنقاش.