للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أما الفيلسوف المادي هولباخ، فقد اتهم موسى بأنه أوجد الشريعة التي فصلت اليهود عن سائر الأمم. وأوضح في هجومه أن اليهود لا يخضعون إلا لكُهانهم، ولذلك أصبحوا أعداء للجنس البشري بأسره يكنون الاحتقار لأخلاق الأمم الأخرى وقوانينها، إذ أن شريعتهم تأمرهم بأن يكونوا قساة لصوصاً خونة غادرين، ومثل هذه الأعمال تُعَدُّ في اليهودية عملاً يرضي الرب. ويُضيف هولباخ أن اليهود اشتهروا، في الواقع، بالخداع والغش في التجارة، ويمكن افتراض أنهم إذا أصبحوا أكثر قوة فسوف يبعثون المآسي التي كثيراً ما وقعت في بلادهم. وإن وُجد بعض اليهود الذين يتسمون بالأمانة والعدل، فهذا يعني أنهم رفضوا بكل وضوح مبادئ الشريعة اليهودية التي تهدف إلى خلق مثيري المتاعب والأشرار. وكما هو واضح، يرى هولباخ اليهود عنصراً أو شعباً واحداً.

ولكن فكر الاستنارة لم يكن البُعد الوحيد في الفكر الغربي الحديث. فمعاداة الاستنارة، والتمرد عليها، والرومانسية، كانت أبعاداً ثابتة وأساسية فيها، ولا تقل عن الاستنارة نفسها في الأهمية. وقد انعكست هذه الرومانسية تجاه اليهود في مواقف متناقضة أيضاً، فتم بعث فكرة اليهودي التائه وتمجيده باعتباره نموذج البطل الرومانسي الحق. ولكننا نلاحظ أن اليهودي التائه هو، في واقع الأمر، اليهودي الهامشي. حتى إذا كان بطلاً، فهو بطل عجائبي متجرد من صفات إنسانية متعينة. وبالتالي، فإن تمجيد اليهودي بوصفه بطلاً رومانسياً كان ينزع عنه صفاته الإنسانية وهي الخطوة الإدراكية الأولى نحو معاداة اليهود.

<<  <  ج: ص:  >  >>